العلاقة بين الجوع والصحة
بقلم: شيلا سيسولو*
حينما يقرأ الكثيرون هذا المقال، في عصر تنتشر فيه البدانة، ستبدو لمعظمهم فكرة زيارة الطبيب عندما نمرض ويخبرنا بأن نتناول المزيد من الطعام أمر يدعو للدهشة. ومع ذلك، فإن نقص التغذية، الذي يعاني منه ملايين البشر في العالم النامي، يعد السبب الأساسي للعديد من الأمراض التي تصيبهم. فتناول المزيد من الطعام الصحى المناسب هو فى الواقع أفضل سبيل للتمتع بصحة جيدة.
وقد يبدو الأمر شديد الوضوح حينما تجهر به، ولكن قليل من الناس يدرك أن الصلة المباشرة بين الصحة والجوع. فالجوعى قدرتهم أضعف بكثير على مواجهة الأمراض مقارنة بالأشخاص الذين يحظون بتغذية جيدة. وغالبا ما يظل الطفل، الذي يعاني من نقص التغذية، مريضاً لمدة أطول من الطفل الذي يحصل على تغذية جيدة وذلك لأن نقص التغذية يضعف جهاز المناعة ويسمح للأمراض المعدية بالانتشار في الجسم، مما يؤدى إلى نضوب مجموعة المغذيات الأساسية.
وتعمل هذه المشكلة بصورة مزدوجة. فالأمراض المعدية، مهما كانت طفيفة، لها تأثير ضار على الحالة التغذوية للإنسان، مما يؤدى إلى تداعيات مختلفة، بما فى ذلك ضعف الشهية، وحتى حينما يمتص الجسم المغذيات فقد يفقدها بسبب الأمراض.
وهى مشكلة مستمرة لها تداعيات سياسية واقتصادية. فكما يؤثر ضعف الصحة ونقص التغذية على نمو الفرد، فإنهما يعوقان أيضاً النمو الاجتماعي والاقتصادي للدول.
العلاقة بين الجوع والصحة
ويكشف هذا الارتباط تقرير تفصيلي يصدره برنامج الأغذية العالمى للأمم المتحدة هذا الأسبوع. وتعد سلسلة الجوع في العالم 2007- الجوع والصحة هي الإصدار الثاني في السلسلة التي استهلت العام الماضى بالإصدار الأول بعنوان: الجوع والتعلم.
ويعد مرض نقص المناعة البشرى المكتسب (الإيدز) من الأمثلة الواضحة على العلاقة بين الجوع والصحة. فحينما يصاب أحد الأشخاص بفيروس نقص المناعة البشرى، تتأثر قناته الهضمية، مما يؤدى إلى سوء امتصاص العناصر الغذائية وفقدان الشهية. ويحدث هذا تحديدا فى الوقت الذى كان ينبغى فيه (وفقا لمنظمة الصحة العالمية) زيادة إمداد المرضى بالطاقة، بنسبة تناهز 30 بالمائة للبالغين و100 بالمائة للأطفال، هذا إذا أرادوا تجنب الإصابة بالهزال وتوقف النمو وهى السمات المميزة لمرضى الإيدز.
وفى ظل المبالغ الطائلة التي تستثمر في بحوث الإيدز والتى تنفق على العلاج المضاد للفيروسات الارتجاعية (أدوية تستخدم لوقف تكاثر الفيروس)، هناك أمر يدعو للدهشة وهو أن عددا كبيرا من المانحين يبدو أنهم يغفلون عن الحاجة إلى توفير مساعدات شاملة تتضمن الدعم الغذائي عند علاج مرضى الإيدز. وتبلغ تكلفة هذا الدعم الغذائي أقل من 2 بالمائة من التكلفة الحالية لبرامج العلاج بالعقاقير، التي يبلغ متوسطها تحديدا 66 سنتا لكل شخص يوميا.
التغذية السليمة من أجل التماثل للشفاء
ومثلما هي الحال مع أى عقار آخر، فإن العلاج المضاد للفيروسات الارتجاعية يعد أكثر فعالية حينما يحظى الناس بتغذية كافية، ومع ذلك فلا تُبذَل سوى جهود طفيفة لضمان توافر غذاء كاف للمرضى الذين يخضعون للعلاج لكى يحققوا استفادة كاملة من العقاقير ويلتزموا بتناولها.
وتشير دراسات أجريت فى رواندا وتنزانيا إلى أن نقص الغذاء يعد سببا رئيسيا في تجنب مرضى فيروس نقص المناعة البشرى/ الإيدز الخضوع للعلاج – ولاسيما خشية أن يؤدى تناولهم للعلاج إلى تحسن شهيتهم وهم لا يجدون ما يكفي من الغذاء لتلبية احتياجاتهم المتزايدة.
ولن يتمكن الجوعى من الاستفادة من الابتكارات التكنولوجية التى تغير شكل العالم، إلا من خلال إعطائهم الأولوية – لاسيما للنساء، والأطفال في جميع مراحل حياتهم – وعبر دعم مبادئ إدماجهم في المجتمع والمساواة والشفافية. وهناك في الوقت الراهن خطراً حقيقياً وهو أن الأهداف الإنمائية للألفية، التي تعتبر في حد ذاتها أهداف متواضعة، قد لا يمكن تحقيقها. وتدعو "سلسلة الجوع في العالم" القادة والزعماء لاستثمار النجاحات السابقة واستخدام سبل المعرفة الحالية لإيجاد حلول عملية وفعالة للمشكلة.
القضاء على الجوع حتمية أخلاقية
لقد حان الوقت للتغلب على مشكلة الجوع وضعف الصحة. فثمن التقاعس فادح، سواء على الصعيد الاقتصادى أو الأخلاقي- وثمن الإقدام على العمل متواضع مقارنة به. والحلول المؤكدة بالتجربة (وجميعها واردة بالتفصيل فى سلسلة الجوع في العالم 2007) متاحة ويمكن تحمل نفقاتها – ولكن ينبغى توسيع نطاقها لكى تصل إلى المعرضين للخطر والمهمشين في أنحاء العالم. وبالنسبة لهؤلاء الأشخاص- الذين يكابدون الجوع فى أى صورة من صوره – فهم ليسوا صناع القرار، ولا يوجد حتى من يمثلهم بشكل جيد.
ويجب على أولئك الأشخاص ممن ليسوا في عداد الملياري نسمة في العالم الذين يكابدون "الجوع الخفي" ( نقص المغذيات الدقيقة) أن يقفوا مع أنفسهم لبرهة من الزمن، خلال الاحتفال بالأعياد في الأسابيع القادمة، ويمدوا أيديهم لحشد الإرادة الجماعية للقضاء على الجوع وتحسين الصحة. ليس فقط لدواع اقتصادية، ولكن لأن القضاء على الجوع يمثل حتمية أخلاقية.