Skip to main content

العلم يوافق الفطرة أحياناً

تأتى الوصفات الطبية في بعض الأحيان وبها تعليمات تنص على عدم تناول الدواء على معدة فارغة. وعادة ما ينصح الأطباء مرضاهم بالانتباه إلى نظامهم الغذائي خلال مرحلة النقاهة والتعافى من المرض، فذلك أمر بديهي...

*مقالة بقلم جيمس موريس بمناسبة الإحتفال باليوم العالمي للإيدز

تأتى الوصفات الطبية في بعض الأحيان وبها تعليمات تنص على عدم تناول الدواء على معدة فارغة. وعادة ما ينصح الأطباء مرضاهم بالانتباه إلى نظامهم الغذائي خلال مرحلة النقاهة والتعافى من المرض، فذلك أمر بديهي.

لقد أنفقت الدول المانحة حتى الآن مليارات الدولارات على العقاقير المضادة للفيروسات الرجعية (antiretrovirals) والأدوية الأخرى لمجابهة التأثير المتزايد لمرض نقص المناعة البشري المكتسب (الإيدز) في إفريقيا، وأسيا، وأمريكا اللاتينية، فيما تأتي مسألة التغذية في مؤخرة اهتماماتها .

العلاج قد يكون مميتاً

وتوصلت دراسة نشرت فى مجلة ** HIV Medicine إلى أن علاج المصابين بفيروس نقص المناعة البشرى المكتسب والذين يعانون من سوء التغذية قد يكون مميتا. واستنتجت تلك الدراسة، التى أجريت فى سنغافورة، أن المرضى الذين يبدأون علاجاً جديداً مضادا للفيروسات الرجعية وهم يعانون من سوء التغذية، تزيد بينهم احتمالات الوفاة عن هؤلاء الذين يحصلون على تغذية جيدة بنسبة تصل إلى ستة أضعاف.

ووفقا للدراسة، فإن السبب قد يكمن في أن سوء التغذية يقلل من قدرة المريض على امتصاص العلاج الثلاثى الفعّأل المضاد لهذه النوعية من الفيروسات ويترك المريض عاجزا عن الاستفادة من الدواء الذى ينقذ حياته. ويجد الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية صعوبة فى التكيف مع الآثار الجانبية للعلاج والتى تضعف الجسم ومن ثم يحتاج المريض لفترات أطول ليستعيد مناعته ضد الفيروسات.

ولا يوجد طبيب فى دولة من دول العالم المتقدمة يقدم علاجا لشخص مصاب بالإيدز دون التأكد من أنه يتغذى بشكل كاف حتى يستطيع جسمه امتصاص الدواء وتحمل آثاره الجانبية. ولسوء الحظ، تظهر معدلات مرتفعة من سوء التغذية ونقص فى المواد المغذية الدقيقة بين سكان العديد من البلدان التي ينتشر بها فيروس نقص المناعة البشري (الإيدز) بصورة كبيرة. فحتى قبل أن يصاب الأشخاص هناك بالإيدز، كانوا يعانون من الجوع.

توفير الدعم الغذائي

وتوصى تلك الدراسة بنفس النهج الذى يسير عليه الممارسون المحليون فى بلدان العالم النامي وهو ضرورة توفير الدعم الغذائي للمرضى الذين يعانون من سوء التغذية قبل البدء في العلاج.

وفى مناطق مثل كينيا، وملاوى وهايتى، يساعد برنامج الأغذية العالمى على ضمان حصول مرضى الإيدز الفقراء والجوعى على الغذاء الذى يحتاجون إليه حتى تتحقق أعلى استفادة من العلاج المضاد للفيروسات الرجعية باهظ التكلفة. وتختلف الحصص الغذائية، ولكنها تحتوى على مواد أساسية مثل الثريد المدعم بالفيتامينات والمعادن، ودقيق القمح أو دقيق الذرة، والفول والزيت.

وعلى عكس العقاقير المضادة لهذه الفيروسات، والمطلوبة بشدة من أجل إنقاذ الحياة، لا يحتاج المرضى للمساعدات الغذائية إلى الأبد. ففي خلال ستة أشهر فقط من تقديم الحصص الغذائية، يستطيع المرضى أن يستردوا عافيتهم ويقفوا على أقدامهم من جديد.

إطعام أسرة المريض

وقال الدكتور جوزيف ماملين، مدير ميدانى فى عيادة للإيدز بكينيا: "نحن نقدم الأدوية، ونطعم الأسر وبعدها يمكنهم أن يتعافوا من جديد وأن يعودوا إلى أعمالهم التي اعتادوا القيام بها قبل الإصابة بالمرض."

ويقول أطباء آخرون إن العديد من الأشخاص فى إفريقيا وهايتى يرفضون الأدوية المجانية إلا إذا كانت مصاحبة للغذاء، مما يجعل فرص الأمل في نجاتهم من المرض محدودة. ولا يعد الأمن الغذائى أقل أهمية من العلاج السليم والفحوصات المنتظمة.

ويعد إطعام الأسرة بأكملها – وليس المريض فقط – أمراً ضرورياً للغاية. فعندما يمرض عائل الأسرة، تكمن الخطورة في أن الآخرين – خاصة البنات والأطفال – سيُجبَرون على التورط فى الأنشطة الجنسية من أجل الوفاء بالالتزامات وتوفير احتياجاتهم.

لا غنى عن الدعم

وبحسب تقديرات برنامج الأغذية العالمي، فإن حوالي مليون شخص من بين 6.6 مليون ممن سيتم إدراجهم في برامج علاج بالعقاقير المضادة للفيروسات الرجعية في عام 2008، سوف يحتاجون إلى الدعم الغذائي نوعاً ما. وتبلغ تكلفة إمدادهم بالمساعدات الغذائية 0.66 دولار أمريكي فقط للمريض الواحد يومياً – أي أقل من سعر تلك الصحيفة.

إن توفير العلاج المضاد للفيروسات الرجعية دون الاهتمام بالغذاء والتغذية يشبه إلى حد كبير دفع أموال كثيرة لإصلاح سيارة مع عدم وجود أموال تكفى للوقود.

ويمثل الغذاء مشكلة للعديد من الأشخاص الذين اجتاح فيروس نقص المناعة البشري حياتهم، وليس فقط لهؤلاء الذين يتلقون العلاج المضاد للفيروسات الرجعية. ويعاني شخص من كل ثلاثة أشخاص أفارقة، على سبيل المثال، من سوء التغذية المزمن.

ويحتاج الأيتام والأطفال المستضعفين دائماً إلى المساعدات الغذائية حتى يبتعدوا عن الشوارع ويواصلوا دراستهم. كما يمكن للعديد من المصابين بفيروس نقص المناعة البشرى والمصابين بالسل أيضاً أن يكملوا شهور العلاج الطويلة التى يحتاجونها حتى يتم شفائهم، إذا كان لديهم أو لدى أسرهم ما يكفى من الغذاء أثناء فترة العلاج.

وعي أكبر

لقد أصبح رجال السياسة على وعي أكبر بالحاجة إلى الغذاء والدعم الغذائي من خلال "مجموعة الرعاية الضرورية" للمصابين بمرض الإيدز. وتأكد ذلك في الاجتماعات الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية. والآن حان الوقت لكى يدخل هذا الدعم حيز التنفيذ.

ولن نسمح للجهود المبذولة والرامية إلى توفير علاج منقذ لحياة المصابين بفيروس نقص المناعة البشرى أن تذهب هباءً بسبب سوء التغذية.

*جيمس موريس

**HIV Medicine