Skip to main content

استثمار السلام فى جنوب السودان

تجد الجهات المانحة صعوبة في تحقيق معادلة التوازن بين الاحتياجات العاجلة والاحتياجات طويلة الأمد في بلد واحد، بيد انه يتعين مواجهة ذلك...

راميرو لوبيز دي سيلفا*

يجد سعيد أبو بكر تاجر البقوليات تفسيرا بسيطا للارتفاع الجنوني الذي أصاب أسعار الذرة في أسواق مدينة وارا بجنوب السودان: "لقد اصبح السلام شخصا غريبا في بلادنا لفترة طويلة، وقد عاد هذا الغريب، ولم تعرف الطبيعة كيف تحتفي به."

احتفاء عالمي بالسلام

وعلى عكس موقف الطبيعة تجاه السلام، لقي السلام ترحيبا شديدا من دول العالم اجمع لقدومه إلي السودان، ومن أشكال هذا الترحيب قيام النرويج باستضافة مؤتمرا دوليا للمانحين في مدينة أوسلو في الفترة من 11 إلي 12 أبريل/نيسان الجاري. يهدف هذا المؤتمر إلي محاولة الحصول على تعهدات من أجل إعادة تعمير البلاد في أعقاب إبرام اتفاقية السلام في 9 يناير/كانون الثاني الماضي. وحتى اليوم، لا تزال الجهات المانحة ترحب بحفاوة شديدة بالسلام اكثر من الطبيعة ذاتها.

إن السلام يعتبر القصة الأخبارية التي تمكنت من إيجاد طريقها والانتشار في أكبر دولة أفريقية حيث يجني آلاف العائدين السودانيين إلي بلادهم ثمار هذا الاستثمار القيم في السلام. بيد أن هذا الاستثمار ينطوي على مخاطر، فإذا لم نتمكن من تقديم يد العون لهؤلاء الأشخاص في هذه الأوقات الحرجة، فقد ينتهي الأمر بان يدفعوا الثمن حياتهم.

لقد أصبح السلام شخصا غريبا في بلادنا لفترة طويلة، وقد عاد هذا الغريب، ولم تعرف الطبيعة كيف تحتفي به!سعيد أبو بكر، تاجر البقوليات بجنوب السودان

ويحتاج جنوب البلاد إلي الحصول على مساعدات كبيرة للتعافي من طاحونة الحرب التي أودت بحياة نحو مليوني شخص وتشريد أكثر من أربعة ملايين شخص. هذا وقد تمكن المجتمع الدولي من رصد أكثر من مليارى دولار قيمة المساعدات الإنسانية إبان هذه الحرب، وبالتالي أنقذ حياة الملايين من الأشخاص. ولمواصلة تقديم هذه المساعدات، فانه تلوح مخاطر في الأفق تتعلق بإمكانية إخفاق السلام قبل أن تتعافى هذه المنطقة من هذه الآثار.

ويقول أبو بكر أن اتفاقية السلام المبرمة في 9 يناير ساعدت على تعزيز تجارته حتى الآن. ويعرف أبو بكر معني ذلك لانه كان يعيش بالقرب من جنوب دارفور التي أطاحت بها الصراعات الدامية لمدة عاميين متوالين والتي مازالت تحمل اثار الحرب الأهلية التي استمرت في الجنوب نحو 21 عاما.

المازق امام الجهات المانحة

هذا وتجد الجهات المانحة نفسها في مأزق لانتشار السلام في أحد المناطق، فيما يجتاح الصراع مناطق أخرى. وفى الوقت ذاته، يطلب من الدول المانحة تقديم المساعدات الإنسانية لإنقاذ حياة الملايين من الأشخاص في دارفور حيث تجد هذه الجهات نفسها مطالبة بتحقيق عوائد السلام حتى لا يقع الجنوب مرة أخري في براثن الجوع وطاحونة الحرب.

ويأتي على رأس هذا، قيام المحللون في برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة بالتحذير من أن موسم المحاصيل السيئ يزيد من اشتعال مأساة السودان. ونتوقع أن يحتاج الكثير من الأشخاص في مناطق عدة بالسودان والتي تشمل دارفور والجنوب إلي الحصول على المساعدات الغذائية نظرا لقلة هطول الأمطار، وضعف الحصاد في العام المنقضي، إضافة إلي الارتفاع الجنوني في أسعار الغذاء هذا العام.

ويعتزم مؤتمر اوسلوا مناقشة النتائج التي خلصت إليها بعثة التقييم المشتركة حول الاحتياجات المتعلقة بإعادة التعمير والتنمية في الفترة المرحلية التي تنتهي بحلول عام 2011 مع الاهتمام بالجهود في الفترة من 2005 إلي 2007. وتقوم الأمم المتحدة بعرض خطة عملها المعدلة بشان السودان والتي تركز على الاحتياجات العاجلة. ويحتاج الطرفان إلي الحصول على الدعم المناسب.

إن التنمية في السودان تشكل المستقبل على المدى الطويل وهو ما اتفقت عليه الأطراف التالية: الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان والجهات المانحة من خلال أعمال بعثة التقييم المشتركة. ويصب برنامج الأغذية والمنظمات الأخرى للأمم المتحدة جهودهم في هذا الصدد مع النية على مواصلة الشراكة من أجل إعادة تعمير الجنوب.

وبالإضافة إلي ذلك، وطبقا لقصة ارتفاع أسعار الذرة التي قصها أبو بكر، يوجد أيضا احتياجات إنسانية عاجلة. ففي منطقة وارا، لا تتمكن الكثير من الاسر تحمل الارتفاع الجنوني للأسعار. لذا يجب اتخاذ التدابير المناسبة بشكل فوري من أجل مواجهة هذه الاحتياجات الإنسانية العاجلة لهؤلاء الاسر الضعيفة في الجنوب وفى أجزاء أخرى من البلاد. انه من المهم أن نوضح لهم أن السلام يحقق بالفعل نتائج ملموسة في بلد لم يعرف جيلا بأكمله سوي المعاناة من الحروب والصراعات.

النازحين

ومن ناحية أخرى، تشكل عودة الأعداد الكبيرة للأشخاص ضغطا إضافيا. فالآلاف من السودانيين الذين فروا هاربين منذ سنوات مضت يصوتون من أجل السلام أثناء عودتهم مرة أخري إلي الجنوب والمناطق غير المستقرة. فيعود البعض منهم من أجزاء مختلفة من السودان، فيما ينتظر البعض الأخر في البلدان المجاورة. ولازال تسافر مجموعات أخرى إلي مناطق بعيدة مثل الولايات المتحدة الأمريكية واستراليا.

ولا يشعر الكثير من العائدين بالسعادة لرجوعهم إلي ارض الوطن حيث أنفقوا أغلبية مدخراتهم للعودة إلي بلادهم. ويشوب هذه الأوضاع العديد من علامات الاستفهام، إضافة إلي غياب بنية أساسية التي يعتمد عليها هؤلاء الأشخاص. ماذا سوف يتناولون؟ أين يعيشون؟ لا يعرف الأشخاص العائدين إذا ما كان يوجد شخصا آخر يعيش في أرضيهم. أين المدارس؟ أين العيادات؟ أين الوظائف؟

وتشكل التنمية الاقتصادية على المدى الطويل الوسيلة الواقعية الوحيدة للإجابة على هذه التساؤلات، بيد أن جهود التنمية تستغرق وقتا طويلا. وللتعامل مع الوضع الحالي، يجب علينا أيضا أن نقدم المساعدات الإنسانية من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب فيما يجري بناء مستقبلهم.

وعندما نقوم بتنفيذ جهود إعادة التعمير على الآجل الطويل، سوف تستمر المخاوف من الصراعات التي دامت عقودا طويلة. وتحتاج هذه المخاوف إلي المعالجة المستمرة من خلال تنفيذ المبادرات التنموية والمساعدات الإنسانية. فإذا تحققت بالشكل المراد، فسوف تقل وتيرة المخاوف والحاجة إلي المساعدات مع تعافي جنوب البلاد.

هذا ولا يحصل الجنوب على نفس المستوي من المساعدات عندما اجتاحه العنف والصراعات. فعلي سبيل المثال، ناشد برنامج الغذاء في نوفمبر الماضي توفير 302 مليون دولار من أجل إطعام أكثر من ثلاثة ملايين شخص في عام 2005 في جنوب وشرق البلاد. وتلقي البرنامج حتى الآن 20 في المئة من هذا المبلغ اللازم توفره العام الجاري مما يجعل البرنامج يواجه نقصا يقدر بنحو 243 مليون دولار.

وفى منطقة وارا، تقول أتاك كوت تانج في أول يوم عودتها إلي الجنوب منذ 13 عاما مضت: "إنني أريد أن أكون قادرة على حرث ارضي واعرف إنني سوف أتمكن من إطعام أولادي من تعبي." وقامت هذه السيدة بإنفاق كل ما لديها من مدخرات للعودة إلي بلادهم.

وتضيف "لقد قيل لي إذا عدت، سوف احصل على الغذاء والمعدات والبذور لمساعدتي على العمل في الحقل." هذا وتعمل المساعدات الطارئة والإنسانية معا من أجل هذا الهدف.

وتجد الجهات المانحة صعوبة في تحقيق معادلة التوازن بين الاحتياجات العاجلة والاحتياجات طويلة الأمد في بلد واحد، بيد انه يتعين مواجهة ذلك. ففي كل أرجاء السودان، يعكف أفراد الشعب على التخطيط لحياتهم الجديدة التي تبني على الوعود التي تقدمها اتفاقية السلام. وإذا كان المجتمع الدولي جادا بشان استمرارية السلام في السودان، يجب على المجتمع تحقيق هذا التوازن المهم والمساعدة في تحقيق وعود السلام.

*راميرو لوبيز دي سيلفا