Skip to main content

اوقفوا مسلسل الجوع فى أفريقيا

لقد صار من غير المقبول ان ننتظر حتى نرى الاطفال الجوعى يحتضرون امام اعيننا على شاشات التلفزيون حتي تتحرك لتقديم المساعدات...

إلغاء الديون لا يعني الكثير لطفل يتضور جوعا

إن إلغاء الديون المستحقة على بعض البلدان الافريقية خطوة طيبة ولها مزايا كثيرة، ولكنها تعني القليل لطفل يتضور جوعا الان وربما يقضى نحبه بسبب عدم توافر الغذاء. فهاهو الجوع يعود فى حلقة جديدة من مسلسله المخيف المستمر منذ عدة عقود في أفريقيا.

وعلى مدار الخمسين عاما الماضية هناك تواريخ لا تنسى فى بلدان مثل نيجيريا وأثيوبيا والصومال والسودان وجنوب أفريقيا. واليوم صارت المنصة جاهزة في النيجر لعرض مسرحية الجوع التى تسلط فيها الاضواء على وجوه الفقراء المألوفة لدي وسائل الإعلام وتنقلها الى شاشات التلفزيون عشرات المحطات.

ها هم الأطفال الذين تثير صورهم الحزن في أعماق قلوبنا بعيونهم الواسعة الممتلئة بالحسرة والالم وبرؤوسهم الكبيرة التي تترنح على أجسادهم الهزيلة، وجلودهم المتهدلة التى لا تكسو سوى عظامهم النحيلة، عديد منهم قد تم توصيل أنابيب تغذية اليهم بعد ان لصقت باشرطة على وجوههم الضامرة. هاهم الأطفال مرة اخرى يجتمعون سويا فى مكان واحد ليعرضوا لنا ايامهم الاخيرة فى مسرحية الجوع المستهلكة وعلى نفس منصة العرض .. مسرحية يعلم الجميع نهايتها.

وبينما روعت هذه الصور من شاهدها فى أرجاء العالم فى الاسبوعين الماضيين، فان التحذيرات التي أطلقها برنامج الاغذية العالمى منذ نوفمبر العام الماضى للحيلولة دون وقوع هذه المأساة لم تجد فتيلا. اخفقت كلمات التحذير ولكن التقارير التليفزيونية التي كان اولها عن طريق تليفزيون (بي بي سي) نجحت فى وخز ضمير العالم بقسوة حيث خرجت صور الالم الصامتة من شاشات التلفزيون وجعلتنا نشعر بالخجل وباهمية ان نتحرك لايقاف هذه المأساة.

معاناة يومية

ويواجه برنامج الأغذية العالمي معاناة الجوعي كل يوم، فالنيجر ليست جزيرة اليأس في أفريقيا، بل هي جزء من من ارخبيل معقد من المشاكل تعاني منه القارة. وفي بلدان مجاورة للنيجر مثل موريتانيا ومالي يعانى اطفال كثيرون من سوء التغذية حيث ضاعف جفاف مدمر من الاثر الفادح لاشرس هجوم لأسراب الجراد يتعرض له هذان البلدان منذ 15 عاما.



إننا بحاجة إلي تبني "سياسة الغذاء أولا"، من أجل ضمان تغذية أفضل للعائلات الفقيرة فى افريقياجيمس موريس

إن المفارقة المحزنة في هذه البلاد هي انها ليست فى حالة حرب بل تعيش في سلام نسبى. وهذه البلدان ايضا لا تعانى من نزاعات اهلية على الموارد الطبيعية الشحيحة. مصيبتهم تكمن في فقر مدقع لا يراه العالم من حولهم.

لقد قمنا بالتحذير طوال شهور من تفاقم الاوضاع الانسانية فى موريتانيا ومالي، أسوة بالنيجر، بيد أن العالم اجمع صار بامكانه كما يبدو ان يتعايش مع الكثير من الماسي دون ان يتحرك، ولم تسعد هذه البلدان المصابة بعد بحظها من التغطية العشوائية لكاميرات التليفزيون. ويبدو اننا لم نستظهر بعد اهم الدروس المستفادة من كارثة المجاعة في أثيوبيا في عقد الثمانينات وهو ببساطة انه من الافضل ان يستجيب المجتمع الدولى بسرعة إلي الإنذارات المبكرة بدلا من ان يتحرك بعد ان يتأخر الوقت. ساعتها يزيد عدد الضحايا وترتفع تكاليف المساعدات بشدة.

الحاجة إلي مزيد من المساعدات

ربما حان الوقت الآن إلي تكرار تحذيراتنا عن احتمال وقوع كوارث أخرى يبدو ان العالم مستمر فى تجاهلها. ففى منطقة بحر الغزال بجنوب السودان حيث لقي ما يقارب من 70 ألف شخص حتفهم في عام 1998، هناك بوادر نقص شديد في المواد الغذائية. أما في منطقة الجنوب الافريقى حيث ترتفع معدلات الإصابة بالإيدز بشدة وتعانى عدة بلدان من الجفاف، فمن المتوقع أن يحتاج ما بين سبعة إلي عشرة ملايين شخص إلي المساعدات الغذائية بنهاية العام الجاري، فيما تواجه أثيوبيا وإريتريا أيضا مخاطر أخرى.

ولا يجب أن يصدم البعض اذا ما قامت التلفزيونات بالانتباه الى الموقف بعد عدة اشهر وبدأت تتدفق صور ممائلة لما يحدث فى النيجر الان ولكن من مناطق اخرى مثل جنوب السودان والجنوب الافريقى ليستمر ما يشبهه السير بوب جيلدوف بانه قد صار فيلما "اباحيا" عن الفقر الأفريقي - بالنسبة للمشاهدين. لن يستفيد الجوعى من الفقراء كثيرا من الغاء الديون والمساعدات التنموية لانهم عاجزون عن العمل والمشاركة فى الفرص الاقتصادية المتاحجة بسبب ضعفهم الجسمانى الناتج عن الجوعجيمس موريس

لقد لعبت بريطانيا دورا كبيرا فى الحد من اعباء الديون، بيد ان الاعفاء من الديون لا يعني الكثير لطفل يحتاج إلي الطعام الان. فمهما كان ما ننوى القيام به، فاننا بحاجة إلي تبنى "سياسة الغذاء اولا" من أجل ضمان تغذية افضل للعائلات الفقيرة فى افريقيا. ودون هذه السياسة، فلن يستفيد الجوعى من الفقراء كثيرا من الغاء الديون والمساعدات التنموية لانهم عاجزون عن العمل والمشاركة فى الفرص الاقتصادية المتاحجة بسبب ضعفهم الجسمانى الناتج عن الجوع.

ان المساعدات تنهمر حاليا على النيجر، ولكن العالم تحرك فقط بعد ان راي صور المعاناة والمآسي وخاصة لاطفال يحتضرون وصار من المستحيل ان نساعدهم على البقاء على قيد الحياة. لقد تأخرت المساعدات كثيرا لعديد منهم.

لقد حان الوقت لتبني رؤية استراتيجية، هناك العديد من حالات الطوارئ التي تتفاقم مع مرور الوقت في افريقيا وتتطلب مزيدا من المساعدات بشكل ملح. ولذا فاذا ما حذرت الوكالات الإنسانية من كوارث متوقعة، يتعين ان تحتاط الحكومات والجهات المانحة على الفور.

لقد صار من غير المقبول ان ننتظر حتى نرى الاطفال الجوعى يحتضرون امام اعيننا على شاشات التلفزيون حتي تتحرك لتقديم المساعدات. لقد طال امد هذا العرض المأساوي من افريقيا وحان الوقت ان نعمل من اجل اسدال الستار عليه فى النيجر وغيرها.