في ظل الأزمة الاقتصادية ..عدد الجوعى يتجاوز المليار .. فمن يمد يد العون؟
الدالي بلقاسمي*
لاشك في أن أفقر شعوب العالم هي الأكثر تأثراً بالأزمة المالية العالمية، فمع انهيار البنوك وقطاعات الأعمال، يصيح المستثمرون طلباً للمساعدة وتسرع الحكومات لتلبية نداءاتهم، ولكننا وسط هذه الفوضى ننسى من ليس لديهم أعمال أو أموال يستثمرونها في المقام الأول. كنا نعتقد أن فقراء العالم يعيشون بمنأى عن تلك الأزمة ولكن الواقع أنهم الأشد تضرراً، فليست أموالهم أو استثماراتهم هي التي تواجه الخطر بل حياتهم وحياة أطفالهم.
عدد الجوعى يتجاوز المليار
ومن المتوقع أن يصل عدد الجوعى لأول مرة في تاريخ البشرية إلى ما يزيد عن مليار شخص وهذا يعني أن واحداً من بين كل سبعة أشخاص ينضم لصفوف الجوعى يومياً دون أن يعرف متى أوكيف سيحصل على الوجبة التالية. في هذا العام زاد عدد الجوعى بنحو 100 مليون شخص مقارنة بالعام الماضي وأصبح العديد منهم يتناولون أطعمة أقل من حيث الكمية والجودة.
من المتوقع أن يصل عدد الجوعى لأول مرة في تاريخ البشرية إلى ما يزيد عن مليار شخص
إن الأزمة الحالية غير مسبوقة من عدة أوجه، فقد جاءت في أعقاب الارتفاع الحاد في أسعار السلع الغذائية الأساسية في عام 2008 والتى أصبح معها الغذاء بعيداً عن متناول ملايين الفقراء. وأدت الأزمة الاقتصادية العالمية التي تلت أزمة الغذاء إلى جعل الأمر أكثر تعقيداً لأن البلدان النامية أصبحت اليوم أكثر ارتباطاً بالاقتصاد العالمي من الناحية المالية والتجارية مما يجعلها أكثر عرضة للصدمات الاقتصادية التي تطرأ على الأسواق العالمية.
شرك الفقر
ومع فقدان العاملين في البلدان المتقدمة لوظائفهم وانخفاض دخولهم في أحيان أخرى فإنهم يرسلون أموالاً أقل إلى أوطانهم مما أدى إلى انخفاض حاد في التحويلات المالية التي تمثل ما يعادل 6% من إجمالي الناتج الاقتصادي للبلدان منخفضة الدخل. ومن المتوقع أن تنخفض نسبة التحويلات من 5 إلى 8 في المائة خلال عام 2009 حسب تقديرات البنك الدولي. وفي كينيا انخفضت بالفعل نسبة التحويلات بنحو 15% خلال الأربعة أشهر الأولى من هذا العام مقارنة بنفس الفترة من عام 2008.
ووفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي من المتوقع أن تقل الاستثمارات الأجنبية في البلدان النامية بنسبة 32% خلال العام الحالي. ويتوقع الصندوق أن تنخفض تدفقات رأس المال الخاص إلى الأسواق الناشئة في عام 2009 لتصل إلى 165 مليار دولار أمريكي بعد أن بلغت 466 مليار دولار عام 2008 و929 مليار دولار عام 2007 مما يمثل انخفاضاً بنسبة 80% خلال عامين فقط الأمر الذي يشكل مزيداً من القيود على الاقتصاديات الضعيفة بالفعل.
وماذا كانت النتيجة؟
النتيجة هي وقوع حوالي 53 مليون شخص آخرين هذا العام في شرك الفقر ، حيث يعيشون على اقل من 1.25 دولار في اليوم.
وبالرغم من أن العديد من بلدان العالم كانت تحتفل بالآثار الإيجابية للعولمة على مدى العقدين الماضيين ، فإن الأزمة الاقتصادية العالمية قد دفعت الكثير من البلدان إلى التركيز على مشكلاتها فقط. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تنخفض المساعدات الأجنبية التي تقدم لأفقر 71 بلداً بنحو 25% هذا العام بعد أن بلغت أقصاها عام 2008 حيث وصلت إلى 120 مليار دولار أمريكي.
وللخروج من تلك الأزمة ينبغي أن يفكر العالم الصناعي في حزمة من التدابير ، فلابد أن يقدم الأغنياء يد العون للفقراء ليس على سبيل الإحسان ولكن لأن البطالة والفقر والجوع السائدين في البلدان النامية عوامل ستؤدي إلى عرقلة تحقيق الانتعاش العالمي.
الركود الاقتصادي
ويأتي الركود الاقتصادي الحالي – وهو الأسوأ من نوعه منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي– في وقت تظل فيه أسعار الغذاء مرتفعة في البلدان النامية، فأسعار الغذاء الآن أعلى مما كانت عليه في العام الماضي في نحو 80% من هذه البلدان.
وعلى سبيل المثال، لا يزال الغذاء في اليمنبعيد المنال بالنسبة للفئات الأشد فقراً كما أن أكثر من واحد من بين كل ثلاثة يمنيين يعانون من الجوع المزمن. ومن المتوقع أن تبقى أسعار المحاصيل عند مستواها الحالي خلال عام 2009 ويمكن أن تظل عند المستوى نفسه لمدة ست سنوات أخرى طبقا لتقديرات البنك الدولي.
عندما ترتفع أسعار الغذاء، يلجأ الناس إلى استقطاع جزء من نفقات التعليم والرعاية الصحية. والطفل الذي يجبر على ترك المدرسة من غير المحتمل أن يعود إليها ثانيةً بعد انقضاء الأزمة، فالصغار الذين يعانون اليوم من سوء التغذية المزمن قد يعانون من مشاكل فى النمو طوال حياتهم فيما بعد ويمكن أن يكون لذلك عواقب جسيمة تستمر بعد مرور أزمة لارتفاع أسعار الغذاء أو حتى أزمة مالية.
طرق بديلة
ومن أجل تخفيف الآثار السلبية الناجمة عن الجوع والتي تتعدى مجرد معدة فارغة، قدم برنامج الأغذية العالمي طرقاً بديلة تستغل موارده على نحو أفضل وأكثر فعالية. كما قام البرنامج بالتوسع في مشروعاته للتغذية المدرسية التي تساعد على إبقاء الأطفال في مدارسهم وتشجعهم على الحضور المنتظم. ففي عام 2008 قدم البرنامج وجبات مدرسية وحصص غذائية منزلية لنحو 22 مليون طفل.
ويواجه البرنامج المشكلات المتعلقة بالجوع في المناطق الحضرية التي يتوافر بها الغذاء -والذي تفوق تكلفته قدرة السكان المالية - عن طريق نظام القسائم الغذائية، فقد قام البرنامج بتنفيذ مشروع توزيع القسائم الغذائية على 30 ألف شخص في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويمكن هذا المشروع الأسر المستضعفة من الحصول علي الغذاء بصورة مباشرة من السوق المحلية وهو ما يساعد المنتجين المحليين.
عجز تمويلي شديد
ويعتمد برنامج الأغذية العالمي على سخاء الحكومات والمانحين من القطاع الخاص، ففي العام الماضي تلقى البرنامج تبرعات بلغت 5.2 مليار دولار أمريكي مكنته من تقديم مساعدات لنحو 102 مليون شخص غيرت مجرى حياتهم. استطاع البرنامج حشد مساعدات غذائية لحوالي 22 حالة طوارئ وساعد الملايين في التكيف مع الارتفاع الحاد المفاجئ في أسعار الغذاء والوقود.
والآن وقد انتصف العام يواجه البرنامج عجزاً تمويلياً كبيراً وغير مسبوق مما سيؤدي إلى خفض الحصص الغذائية والتعليق التام لمشروعاته في بعض الحالات. ويتوقع البرنامج حصوله على 3.7 مليار دولار أمريكي فقط من إجمالي ميزانيته البالغة 6.7 مليار دولار أمريكي والتي يحتاجها لتوفير الغذاء لنحو 108 مليون شخص في 74 بلداً من الأشد فقراً هذا العام.
كارثة كبرى
ولابد من أن نحذر من وقوع كارثة كبرى كأن نفقد جيلاً بأكمله بسبب الجوع أو نضحي بتنمية مستقبلية محتملة جراء الجوع الذي يتجاوز عدد ضحاياه كل عام عدد ضحايا أمراض الإيدز والملاريا والسل مجتمعة. ليس هذا فحسب، بل إن الجوع يقتل الحراك الاجتماعي والتقدم .
إن جزءاً ضئيلاً فقط من تريليونات الدولارات التي خصصت لإنقاذ البلدان المتقدمة من الأزمة المالية العالمية يمكن أن تمول مشروعات برنامج الأغذية العالمي بالكامل لمدة عام على الأقل.
إن العالم بحاجة إلى منع تحول الأزمة المالية إلي أزمة إنسانية! دعونا نمنح البشرية الاهتمام نفسه الذي نمنحه للبنوك وقطاعات الأعمال وصناع السيارات .. أو حتى القليل من الاهتمام.