كينيا على حافة مجاعة
بقلم جيمس موريس*
فى زيارة قمت بها مؤخرا لقرية الواك في كينيا - على بعد ستة كيلومترات فقط من الحدود الصومالية - رأيت آلاف الأشخاص الذين تدفقوا على المنطقة فرارا من جفاف مروع تعانى منه البلاد بسبب شح الامطار على مدى المواسم الخمسة الأخيرة.
في مهب الريح
وبالقرب من القرية قابلت رعاة ماشية يقطنون أكواخا من الأعشاب وأغصان الشجر وقد نفقت أغلب حيواناتهم. وكان من بين الأشخاص الذين تحدثت إليهم رجلا يبلغ من العمر 81 عاما يدعى قاسم عبدى، فقدت أسرته في الشهور الستة الماضية أكثر من 100 رأس من الماشية. ويقول عبدى إن هذا أسوأ جفاف شهده فى حياته.
وقال " اعتادنا الاعتماد على الماشية للحصول على اللبن واللحم وبيعها من أجل شراء احتياجاتنا الأخرى. أما الآن فنحن نعتمد على ما نحصل عليه من مواد الإغاثة. لقد صارت حياتنا فى مهب الريح".
وكرر آخرون ما قاله عبدي، ويؤكد المشهد الكئيب حولهم شدة معاناتهم. فمئات من جثث الأبقار والماعز الميتة مغطاة بالاتربة وتتعفن من حولهم، وهناك عدد قليل من الجمال الهزيلة والأبقار العجاف تتناثر في المنطقة ويبدو أنها على وشك اللحاق بالحيوانات التى نفقت.
وضع مأسوي
وفى المناطق التي كان بها ذات يوم ما يكفى من العشب لسد رمق هذه الماشية أجدبت الأرض وبلغت طبقة الرمال من الكثافة بحيث إن إحدى سياراتنا غاصت فيها لعمق عدة أقدام. لم تسقط أمطار كثيرة بالتأكيد فى هذه المنطقة منذ عام 1999، وقد استنفد أمثال قاسم عبدي كل سبل التكيف مع هذا الوضع المأساوي.
طفل كيني هزيل-صورة: Bruno Stevens/WFP2006
لا شك أن هناك أزمة حادة في هذه المنطقة الجرداء الواقعة فى شمال شرقى كينيا، وتشاركها هذا الواقع المظلم المنطقة الواقعة عبر الحدود في الصومال وفى أجزاء من إثيوبيا وإريتريا. وتوضح تقديراتنا في برنامج الأغذية العالمى للأمم المتحدة أن نحو 3.5 مليون شخص فى كينيا يحتاجون إلي حوالى أربعمائة ألف طن من المساعدات الغذائية على مدار العام بتكلفة تقدر بنحو 225 مليون دولار.
ولكننا لم نحصل سوى على ثلث احتياجاتنا من الجهات المانحة ولا يوجد لدينا الآن من الأغذية والأموال سوى ما يكفى لشهر واحد لتوفير الذرة والبازلاء وزيت الطعام لعائلات مثل عائلة قاسم عبدى. والأسوأ من ذلك أن خبراء الأرصاد الجوية يخشون أن يكون موسم "المطر الطويل" المفترض أن يبدأ هذا الشهر في هذه المنطقة مخيبا للآمال أيضا.
الانتظام بالدراسة
هناك بالطبع حاجة إلى حلول طويلة المدى لهذه المشكلة. وقد هيأت الأزمة فرصة حقيقية للجيل القادم، حيث أن أطفال عائلات الرعاة التي توقفت عن التنقل بعد أن عجزت عن الاستمرار فى نمط الحياة الرعوى انتظموا في المدارس مثلما حدث قرب قرية الواك حيث تقيم الآن بعض عائلات الرعاة الذين هجروا حياة الرعي.
ويقدم برنامج الأغذية العالمي مساهمة بسيطة عن طريق وجبات غذائية لهؤلاء الأطفال من خلال برنامجنا للتغذية المدرسية. ومن ناحيتها تعتزم الحكومة الكينية تنمية أنواع من المحاصيل مقاومة للجفاف في المناطق شبه القاحلة من البلاد، وتنظيم برامج مساعدات للرعاة يستفيدون منها نقديا وتساعدهم فى الحفاظ على قطعانهم.
سوء التغذية الحاد
توزيع بعض الأغذية على السكان-صورة: Tony Karumba/WFP2006
لكننا لا يمكن أن ننتظر حتى تؤتى الحلول طويلة المدى ثمارها، لاسيما وأن سوء التغذية الحاد فى شمال شرقى كينيا قد ارتفع ليسجل قرابة 30٪ في بعض المناطق. وضاعفت الحكومة الكينية جهودها لمواجهة هذا التحدي فأصبحت ثاني أكبر جهة مانحة تسهم في جهود الإغاثة الغذائية، وهو ما يعتبر موقفا نادر الحدوث بين البلدان التي تمر بضائقة اقتصادية وتصارع هذا النوع من الأزمات.
والآن ينبغى لباقى العالم أن يشارك أيضا. فإذا لم نتلق تبرعات كبيرة لهذه الجهود فى الأسابيع القليلة القادمة، فإننا لن نتمكن من مواصلة توزيع الأغذية التي تساعد على انتشال عشرات الآلاف من العائلات من تلك الكارثة المحدقة بهم دون ذنب جنوه.
شبح الكارثة
ولدى أمل أن ننجح في التخلص من شبح الكارثة. ففي المدة التي توليت فيها منصب المدير التنفيذى لبرنامج الأغذية العالمى ذهلت إزاء كرم أمم العالم التي وقفت إلي جوار ضحايا الاعاصير والحروب وموجات المد الزلزالى . وإذ اقتطع الطيبون من مواطني هذا العالم بعض الوقت ليتابعوا ما يحدث في هذا الجزء من أفريقيا، فسيدركون احتياجات هؤلاء الأشخاص المكافحين الذين تلقوا لطمة مدمرة من الطبيعة.
ويحدوني الأمل في أن يكون القرار الأخير هو مد يد العون إلي هؤلاء الكينيين الذين هم في أمس الحاجة إليها، لكى لا يتحقق الجانب المخيف من نبؤة قاسم عبدي حيث حذر من ان هذه الكارثة هى فى نهاية المطاف صراع بين الحياة والموت.
*جيمس موريس