ماذا يعنى أن تصبح سفيرا؟

*بقلم الفنان محمود ياسين

لم أحلم يوما او أحاول ان أكون سفيرا. منذ صباى وأنا أعشق المسرح ثم السينما والتمثيل وتحول الفن لدى من حب وهواية إلى مهنة وحياة. ولكنى أصبحت سفيرا من نوع آخر منذ عامين بعد ان قبلت منصب سفير للنوايا الحسنة أو سفير لمكافحة الجوع كما يطلقون علىَّ في برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة وهو منصب أتشرف به وأسعى من خلاله ان أساعد البرنامج فى تحقيق بعض من المهام الجسام والمسئوليات المتزايدة على عاتقه مع تنامي أعداد الذين يعانون من الجوع والفقر وسوء التغذية بسبب الكوارث الطبيعية، أو بسبب الصراعات البشرية التي تضع ملايين الأشخاص حول العالم على حافة الهاوية.

ساعدتنى هذه السفارة الإنسانية أن أرى بعيني مشاهد مأساوية تدمع لها العيون وفقرا واحتياجا شديدين رغم ان هذا العالم يزرع وينتج ما يكفى جميع البشر ويزيد من الغذاء. الفقر والجوع ليسا قدرا ويمكن التغلب عليهما ليس فقط اذا اجتمعت النية السياسية والموارد الاقتصادية ولكن اذا تضافرت كلها مع شعور وواجب انسانى انه من غير المقبول ان دينيا وثقافيا وكونيا ان يستمر الجوع فى العالم.

خبرة بالعمل التطوعي

تأكدت الآن ان الأمم المتحدة على الصعيد الانسانى والتنموى لا بديل لها لمساعدة مئات الملايين من الفقراء والضعفاء فى انحاء العالمالفنان محمود ياسين

م تكن هذه اول خبرة لى بالعمل الطوعى حيث عملت كثيرا من قبل مع زملاء أفاضل من الفنانين والفنانات فى مصر والعالم العربى منذ أكثر من عشرين سنة تبرعا لمساعدة الفئات الاقل حظا. وبالتعاون والمشاركة مع زملائي من الفنانين والكتاب والأدباء، قمنا بإنشاء جمعية من اجل انفاق إيرادات عروض فنية شارك في تقديمها فنانون كبار دون مقابل مادى من أجل تأهيل بعض المدارس والمستشفيات في محافظة الجيزة.

ولكن اهتمامي بالعمل الخيري يعود إلى عام 1956 والذى كان بعدوانه الثلاثى نقطة تحول في حياتي. كنت صبيا أعيش في بورسعيد عندما اندلعت الحرب وأحسست لأول مرة بالمعاناة والآلام التي يقاسيها ضحايا الحروب والصراعات، عرفت معنى أن تصاب كافة أوجه الحياة بالشلل التام.

ألف شخص يموتون كل ساعة

وفى عام 2004 تلقيت زيارة من وفد برنامج الاغذية العالمى التابع للامم المتحدة حيث طلبوا منى أن أساعدهم فى رفع مستوى الوعى والمعرفة فى المنطقة العربية حول مدى انتشار المعاناة من الجوع فى بعض الاجزاء الفقيرة من أمتنا العربية وفى بلدان عديدة فى أنحاء العالم. لم اكن أعرف ساعتها ان ألف شخص يموتون كل ساعة فى العالم كله بسبب الجوع والآمراض الناجمة عنه فى انحاء العالم (معظمهم فى أفريقيا وآسيا).

لم أفكر كثيرا قبل الموافقة على أن أساهم بخبراتي الفنية والانسانية فى دعم عملهم لأنني مقتنع أن الفنان لديه دور انساني مهم وضخم يتعدى حدود مدينته ووطنه.

ومع البرنامج زرت مشاريع فى مصر واليمن والسودان وتفقدت نظم عملهم ومكاتبهم فى المنطقة والخليج.

قصص مؤسفة في دارفور

وفى إقليم دارفور الضخم الواقع غربي السودان، امضيت عدة ساعات فى مخيمات النازحين حيث حول صراع سياسى واقتصادى وعسكرى (يتم الباسه احيانا ثوب عرقى) أكثر من مليونى شخص الى مشردين مخلفين ورائهم اعزاء من ابنائهم وبناتهم وأقرابهم راحوا ضحية النزاع وقرى موحشة ومنازل مهجورة او محترقة (رأيت بعضها من الطائرة الصغيرة التى كانت تطير كالعصفور وقريبة الى الارض فى رحلتى الى بلدة نيالا عاصمة اقليم جنوب دارفور).

أسعدنى رغم كل البؤس الذى رأيته ان أمضى بعض الوقت مع أطفال كانوا بالرغم من أخاديد الإرهاق وعلامات سوء التغذية المحفورة فى أجسادهم يحاولون أن يستمتعوا بطفولتهم.

وفى مخيم عطاش بالقرب من نيالا والذي يعيش فيه آلاف النازحين استمعت إلى قصص كثيرة مؤسفة وسمعت أكثر منها من موظفى إغاثة دوليين التقيتهم هناك. هجمات مسلحة افقدت كثيرين عزيزا او أكثر أو اعتدت على الشرف والعرض وليس فقط الارض، ولذا كانت الأنباء في الأسابيع القليلة الماضية عن اتفاق لتعزيز قوة حفظ السلام فى دارفور مشجعة لى شخصيا وأمل ان تحقق كل اهدافها.

دور انساني

فى دارفور وغيرها جذب نظري الدور الإنساني الذي تلعبه منظمات الأمم المتحدة التى ننظر لها غالبا فى أوطاننا بسبب دورها السياسى. بعضنا فى مصر او فى العالم العربى قد نكون لم أفكر كثيرا قبل الموافقة على أن أساهم بخبراتي الفنية والانسانية فى دعم عملهم لأنني مقتنع أن الفنان لديه دور انساني مهم وضخم يتعدى حدود مدينته ووطنهالفنان محمود ياسين

غير راضين عن موقف سياسى او آخر وقفه مجلس الامن ولكن الامم المتحدة أكبر بكثير من مجلس الامن وقد تأكدت الآن انها على الصعيد الانسانى والتنموى لا بديل لها لمساعدة مئات الملايين من الفقراء والضعفاء فى انحاء العالم.

لا شك ان الأمم المتحدة يمكن ان تعمل بصورة أفضل وهذا ما أسعى إليه كمواطن فى هذا العالم ولكن حتى يتحسن العمل فى الأمم المتحدة فان هذه المنظمة تحتاجنا جميعا - شعوبا قبل الحكومات فليس من قبيل المصادفة أن ميثاق هذه المنظمة الدولية يفتتح ديباجته بإسم "الشعوب".

على مدار العامين الماضيين، ساعدت برنامج الاغذية العالمى فى الامم المتحدة قدر استطاعتي من أجل الحصول على المزيد من الدعم فى منطقتنا العربية وللفت الانظار الى معاناة المحرومين، وأشعر الان بالاسف لان الطريق ما زال طويلا للغاية قبل ان نتمكن من تقليل حدة الفقر والجوع فى العالم ولكنى أشعر بالسعادة اننى اؤدى واجبى. وأدعو كل من لديه القدرة على المساهمة و لا سيما عن طريق دعم المؤسسات الاهلية والبرامج المعدة جيدا من أقل القضاء على الفقر والجوع ان يمد يد العون من أجل ان نقطع هذا الطريق بسرعة أكبر.

*الفنان محمود ياسين