Skip to main content

سيف الوقت ينزل على الجوعى فى كينيا

العداء الكيني بول تيرجات - حامل الرقم العالمي الحالي في سباق الماراثون - هو أحد سفراء برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة الذين يساهمون من خلال نجاحاتهم وشهرتهم في محاربة الجوع...

بقلم: بول تيرجات *

عندما كنت أستعد لسباق الماراثون في لندن، لم أكن أرغب في شئ سوى صفاء الذهن والتركيز على السباق المقبل. وعلى الرغم من أني كرست جزءا كبيرا من حياتي للعدو، إلا أنني مواطن كيني في المقام الأول ولايمكنني إهمال الوضع الخطير الذي تعيش فيه بلادي، كما أنني لا أرغب في إغفاله حتى في الوقت الحاضر.

ولدت في منطقة تدعى بارينجو والتي تقع في الوادي المتصدع ريفت Rift Valley، حيث يندر هطول الأمطار. وما زلت أذكر كيف كنت أتدرب على العدو لمسافات طويلة ومرهقة تحت أشعة الشمس المحرقة لدرجة أن قدماي كانتا تثيرا سحبا من الغبار الأحمر من خلفى وأنا أقطع أميالا تلو الأخرى عبر ممرات تنمو على أطرافها شجيرات متفرقة كثيفة، وأتبادل التحية مع الرعاة بصوت عال.

وكثيرا ما كنت أتسائل كيف يستطيع هؤلاء الرعاة العثور على ما يكفي حيواناتهم من علف أخضر في موسم الجفاف الطويل لكي تبقى على قيد الحياة، فهم يعيشون حياة صعبة للغاية حيث يتعين عليهم أن يقطعوا مسافات شاسعة سيرا على الأقدام بحثا عن الماء والكلأ.

نفوق الماشية بالآلاف

إنهم هؤلاء الرعاة يعيشون على حافة الهاوية غير أن بوسعهم أن يتدبروا الأمر بعض الشئ، فمن خلال سنوات الرخاء يمكنهم تعويض ما يخسرونه في السنوات العجاف. إلا أن الأمر لا يسير على هذا المنوال في يومنا هذا، فقد انقطع هطول الأمطار على معظم المناطق في كينيا منذ 1999 باستثناء سنة واحدة في 2003.

وفي الشمال تموت الماشية بالآلاف، لذا لم يعد لدى المزارعين في شرق البلاد شيئا يأكلونه، فقد اختفت المراعي التي كانت توفر لهم قوت يومهم وجفت عيون المياه تاركة وراءها رياحا تحمل الغبار وأنهارا جافة.

حيوانات نافقة بكينيا
إن نفوق الماشية يعني في نهاية المطاف زوال سبل معيشة السكان.. فالبعض فقد كل قطيعه البالغ 200 رأس ماشية ولربما أكثر، ولم يتبق لديهم ما يطعمون به أسرهم. والحال لا يتعلق بكينيا وحدها، وإنما يمتد عبر مناطق القرن الأفريقي حيث تمتلئ السهول بالعظام البيضاء المتناثرة للماشية النافقة. وما لم نهرع إلى تقديم معونات غذائية طارئة فإن عظام البشر سرعان ما ستجد مكانها إلى جوار عظام هذه الحيوانات.

وستستدعي الحاجة تقديم كميات كبيرة من الأغذية. ففي كينيا وحدها، تقدر الحكومة ووكالات المساعدات الانسانية وجود 3,5 مليون نسمة بحاجة إلى معونات غذائية طارئة. وهذا يعني ضرورة تقديم قرابة 400 ألف طن من الأغذية هذا العام- تكفي لحصول هؤلاء السكان على الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية.

خطر يزحف ببطء

إن الجفاف خطرا يزحف ببطء، وهذه هي المشكلة. إذ أنه ليس هناك كارثة مفاجئة تحفز المانحين على تقديم معونات الإغاثة، كما كان الحال في كارثة تسونامي التي ضربت جنوب شرقي آسيا أو الزلزال الذي دمر كشمير في أكتوبر/تشرين الأول. لكن شدة الجفاف تؤدي إلى جدب الأرض، وبالتالي يتعرض سكان القرن الأفريقي إلى خطر الهلاك البطيء.

ومن الطبيعي ألا تقدم المعونة الغذائية العاجلة حلاً شافيا لمشكلاتهم المزمنة على المدى البعيد، فحالة الجفاف الشديدة هذه ليست هي الحالة الأخيرة التي سيواجهها هذا الإقليم. وعلينا جميعا أن نعمل يدا بيد - حكومات وجهات مانحة وأفرادا معنيين مثلي- للبحث عن أفضل الطرق التي تساعد السكان على الصمود أمام تلك الصدمات.

وقد يستلزم ذلك تغييرات جذرية في نمط الحياة، وقد تعني حقيقة أن معدلات هطول الأمطار في كينيا قد تراجعت تدريجيا على مدار العقد الماضي أو ما يزيد، أن وجود النظام الرعوي الذي ظل سائدا لمئات السنين في معظم بقاع أفريقيا بات اليوم معرضا للزوال.

"التعليم مفتاح المستقبل"

وقد لا يكون من واجبي أن أصرح بذلك، لكني متأكد من شيء واحد هو أن التعليم مفتاح المستقبل. فالحفاظ على انتظام الفتيات والفتية في الدراسة هو أفضل وسيلة لجعلهم أكثر عطاءا في المستقبل. وما من طريقة لتشجيع الأطفال على مواصلة تعليمهم أفضل من تزويدهم بحصص غذائية صحية ومفيدة في أثناء الدراسة وهم في مدارسهم يتعلمون.

بول تيرجات يزور مدرسته القديمة في بلدة بارينجو الفقيرة بكينيا
وأتذكر جيدا يوم كنت صبيا صغيرا في بارينجو أني كنت من المحظوظين الذين استفادوا من برنامج التغذية المدرسية، وأعرف الفرق جيدا بين أن تركز اهتمامك على دروسك ومعدتك مملوءة وبين الحالة العكسية.. لقد أحسست بذلك بنفسي ورأيته على وجوه أقراني في المدرسة. وأنا على يقين من أنني استطعت الوصول إلى ما أنا عليه اليوم بفضل برنامج التغذية المدرسية وحده.

البقاء على قيد الحياة

والتغذية المدرسية أحد البرامج التي يتبناها برنامج الأغذية العالمي والرامية إلى تشجيع التنمية. وتعد المساعدات الإنمائية الأداة الحاسمة في مساعدة أفريقيا للخلاص بنفسها من حالة الفقر المدقع.

ولسوء الحظ فإنه يوجد في القرن الأفريقي حاليا ملايين البشر الذين لا يشغل بالهم سوى البقاء على قيد الحياة. وهذا يعني ضرورة حصولهم أولا على الغذاء بأسرع ما يمكن وبعد ذلك يمكننا التحدث عن التنمية، فمن المنطقي أن أتمكن من المشي أولا قبل أن أركض.

بول تيرجات: