أمطار غزة تكشف الحاجة الملحة: دعوة لإتاحة الوصول الإنساني دون قيود لمواجهة الجوع والبرد القارس
التحدي القادم: مواجهة برد الشتاء
قالت كيت نيوتن إن الاستعداد للشتاء من خلال اتخاذ إجراءات تحضيرية لمساعدة الناس على تجاوز الأشهر الباردة – هي التحدي العاجل التالي أمام المنظمات الإنسانية في غزة.
منذ اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر/تشرين الأول، تحسنت الظروف قليلًا – إذ يتراجع خطر المجاعة حاليًا في غزة، لكن مصادر الغذاء المتنوعة والطازجة لا تزال نادرة، فيما يظل حجم المساعدات وانتظامها بعيدًا عن المطلوب.
وأضافت: "نحن بحاجة إلى وصول إنساني كامل وغير مقيّد."
لا تصل كميات كافية من الغذاء والإمدادات الطبية والخيام إلى القطاع وسط مخاوف من أن يؤدي استمرار القتال، رغم وقف إطلاق النار المعلن، إلى فرض حصار جديد.
هذا الاحتمال لا يمكن حتى التفكير فيه مع معاناة نحو 56%من السكان من نقص في مياه الشرب و72% يستخدمون مراحيض بدائية. وإلى جانب سوء التغذية، يواجه الأطفال التهابات الجهاز التنفسي والإسهال وأمراض جلدية.
وقالت نيوتن: "كل المشكلات التي تحدثنا عنها على مدار أشهر لا زالت قائمة – التحديات اللوجستية، الطرق المحدودة التي يمكننا استخدامها، ارتفاع مستوى انعدام الأمن، والعراقيل البيروقراطية التي تعيق إيصال المساعدات الإنسانية."
وأوضحت نيوتن أن أي شيء يُعتبر "مزدوج الاستخدام" مثل الخيام ذات الإطارات المعدنية ووحدات التخزين المتنقلة – وهي مواد أساسية لإعادة تأهيل البنية التحتية – لا يمكن إدخاله، حتى قطع غيار الشاحنات.
كما أن ضعف الأمن لا يزال مشكلة حيث يسمح باستمرار أعمال النهب. وقالت نيوتن: "لا يزال إيصال الغذاء إلى غزة أمرًا صعبًا وخطيرًا."
في مؤشر على تفاقم الأزمة، أدت الأمطار الغزيرة في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني إلى طفح مياه الصرف الصحي، مما جعل الحياة شبه مستحيلة لمجتمعات النازحين الذين يعيشون في خيام على طول الساحل – حيث تضررت نحو 13 ألف أسرة، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA).
وقالت نيوتن: "معظم السكان نزحوا من منازلهم، والوصول إلى الاحتياجات والخدمات الأساسية محدود أو معدوم. والطقس السيئ يزيد الوضع سوءًا."
وأضافت: "هذا وقت لتذكير المجتمع الدولي بضرورة تسريع وتيرة إدخال المزيد من المأوى والمواد الغذائية، إلى جانب كل أنواع الغذاء."
وأكدت أن البرنامج يعمل مع الشركاء لتسليم كل ما يمكن قبل الشتاء، بما في ذلك البطانيات والملابس والفرش وكل ما يحتاجه الناس، لكنها ختمت بقولها: "الظروف سيئة للغاية."
أصوات من غزة
هذه التحديات تنعكس في حياة أسر فقدت كل شيء تقريبًا. فيما يلي صوتان من الأسر النازحة في مدينة غزة، حصلا على أكياس رمل من البرنامج، ويحكيان ما حدث بعد هطول الأمطار في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني.
هدير
كانوا يحذروننا من أن عاصفة جديدة قادمة. قمنا بتثبيت الخيمة قدر استطاعتنا، شددناها جيدًا. فرشنا السجاد والحصير وكل شيء حتى تصمد الخيام في الشتاء. وضعنا براميل حولها حتى لا يدخل المطر. لكننا صُدمنا من قوة الرياح.
هبت رياح قوية وجرفت كل شيء بعيدًا. لم نستطع البقاء داخل الخيمة. ابتلت ملابسنا، وكل ما نملك ابتل بالكامل. ملابس الأطفال – كل شيء أصبح مبللاً، ولم نتمكن من البقاء هناك. تركنا الخيمة حتى هدأت الرياح وانتظرنا شروق الشمس.
كانت الرياح تجرّنا – أنا وأطفالي – تسحبنا. الرمل دخل في أعيننا؛ لم نعد قادرين على التحمل، حقًا لم نستطع. في لحظة شعرت أنني يجب أن أجلس داخل الخيمة، لكننا انتهينا بالخروج منها هاربين. كل البطانيات ابتلت. طعامنا والحطب – كل شيء.
ملابس بناتي – هذه الملابس التي يرتدينها الآن – كلها ابتلت. كل أغراضنا امتلأت بالماء. غادرنا وذهبنا إلى بيت أخي لبعض الوقت، حتى خف المطر وتمكنا من تجفيف بعض أغراضنا والعودة إلى الخيمة.
لم نستطع الطهي. انتهى بنا الأمر إلى تناول الخبز مع الزعتر فقط لأنه لم يكن لدينا ما نحرقه كوقود للطهي. كل طعامنا تحول إلى سائل. في الليل، تجد الأطفال يرتجفون من البرد، من الرياح والبرودة. ابني أصيب بالإسهال والتقيؤ… منذ وصولنا هنا قبل شهرين، لم يتعافَ حتى ولو لمرة واحدة.
البرد شديد للغاية. نحن في منطقة تشبه حوض الاستحمام – البحر يحيط بنا من ثلاث جهات. لا يوجد أمامنا ما يحمينا من الرياح أو البرد. خيمتي مدمرة. كنت أقول لنفسي إنها ستصمد في الشتاء. لدينا هذه الخيمة منذ بداية الحرب. ولكنها تمزقت من كثرة التنقل. ماذا يمكننا أن نفعل؟ هذه هي حياتنا.
نايب
عندما وصلت هنا أول مرة، أرسلوا لي رسالة عن قسيمة وقالوا لي أن أذهب إلى خان يونس. كان ذلك عند وصولي، لكنني لم أستطع الذهاب بسبب الوضع والتكاليف. بعد حوالي أسبوعين أو ربما شهر، أرسلوا لي صندوقًا فيه أرز وعدس. بخلاف ذلك، لم أتلقَّ شيئًا.
كل المؤن تلفت، والمراتب تضررت. لم يبقَ شيء. كما ترى، جاء الشتاء بأمطار غزيرة، فغمرت كل شيء. المراتب، والبطانيات، والمؤن الغذائية مثل الطحين – كلها ابتلت وضاعت. بصراحة، لا أملك شيئًا. ليس لدي أحد. أنا فقط وزوجتي وأطفالي. الوضع الآن صعب جدًا. نحن خمسة أشخاص – ثلاثة أطفال وزوجتي.
منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول وحتى اليوم، أعيش في خيمة، أعاني مع أطفالي، وأتنقل من مكان إلى آخر. هذه الخيمة حصلت عليها من شخص ما. عانيت بما فيه الكفاية. سنتان أو ثلاث سنوات الآن، وما زالت المعاناة نفسها. أتنقل من مكان إلى آخر، أحاول إيجاد أرض أضع عليها أغراضي – ربما 13 مرة حتى الآن.
من مخيم الشاطئ إلى الشيخ رضوان، إلى الشفاء، إلى الشمال، إلى مخيم جباليا، إلى غزة القديمة، ثم إلى الخيام، ثم إلى خان يونس، ثم إلى القرارة، ثم إلى أصداء، ثم عدنا حيث طردنا الناس، ثم إلى حمد، وأخيرًا إلى رفح.
حتى الآن، ما زلت أسدد تكاليف النزوح. كلها ديون فوق ديون. تعرضت للإهانة فقط لأحمي أطفالي من الخطر. في كل مرة أستقر، يطلبون مني المغادرة. لا أعرف أين أبقى أو إلى أين أذهب. إنها فوضى – لم يتغير شيء سوى استمرار المعاناة.
هنا، على المرتبة على الأرض، سأفرشها وأنام عليها. هذا المكان لم يكن آمنًا منذ ثلاث سنوات. الليلة لن تكون مختلفة. اعتدت على هذه الحياة، للأسف.