مدارس بلا طلاب: كيف يحرم الصراع والجوع الأطفال من مستقبلهم
في غزة، فقد أحمد البالغ من العمر 12 عامًا ما يقرب من عام من الدراسة، حيث دفع القصف والغارات الجوية عائلته للتنقل من ملجأ إلى آخر. ورغم الحزن والتعب والاكتئاب، يعود أحمد للدراسة مرة أخرى في خيمة، كجزء من مبادرة تعليمية مؤقتة.
في الوقت ذاته كانت سمر تذهب إلى المدرسة في قريتها في منطقة غرب دارفور بالسودان، حيث كانت تدرس المواد الدراسية بشغف، وخاصة الرياضيات، المفضلة لديها. اليوم، تعيش سمر في موقع مزدحم باللاجئين على الحدود مع تشاد، حيث تجلب الماء وتطحن الذرة الرفيعة حتى تتمكن أسرتها من البقاء على قيد الحياة.
في جانب آخر من العالم، وفي عاصمة هايتي بورت أو برنس، حيث أدى عنف العصابات المسلحة إلى تشريد مئات الآلاف من الناس، تعد شيرلين وأطفالها الستة من بين كثيرين يعيشون حاليا في ملاجئ كانت سابقا فصولا دراسية. إنها بلا مأوى وعازبة منذ أن أحرقت العصابات حيها وقتلوا زوجها، وهي تعيش في قلق بشأن مستقبل أطفالها. تقول شيرلين: "لم يذهب الأطفال إلى المدرسة منذ ثلاث سنوات".
في جميع أنحاء العالم، تحرم الصراعات وعدم الاستقرار ملايين الأطفال من التعليم، وتحرم كذلك الأشخاص الأكثر جوعاً في البلدان التي نعمل فيها، من وجبات غذائية غنية بالعناصر المغذية يقدمها برنامج الأغذية العالمي.
لكن آثار العنف تمتد إلى ما هو أبعد وأعمق من الحرمان من التعلم، حسبما يقول برنامج الأغذية العالمي وخبراء آخرون. توفر المدارس للأطفال والمجتمعات شعوراً بالحياة الطبيعية. ويمكنها مساعدة الطلاب الصغار على التعافي من صدمات الصراع، ومنعهم من الانضمام إلى الجماعات المسلحة أو التعرض للهجوم. ولأنها قادرة على جمع الأطفال والآباء من أماكن وخلفيات ومجموعات عرقية مختلفة، يمكن للمدارس أيضاً أن تساعد في بناء السلام.
تقول مستشارة التغذية المدرسية الإقليمية لبرنامج الأغذية العالمي في شرق أفريقيا، إيدنا كالالوكا، والتي عملت سابقاً في مكتبنا في السودان: "عندما تحدث الصراعات والكوارث، غالباً ما يكون أطفال المدارس هم المجموعة الأكثر نسياناً، حيث يميل التركيز إلى إنقاذ الأرواح". وتضيف: "التعليم هو أحد الاستثمارات الكبيرة التي يسعى إليها الآباء، فهو يساعد الأطفال على الشعور بالحياة الطبيعية، والتفاعل مع أقرانهم، والضحك، ومشاركة الذكريات".
ذهبنا إلى أربعة أماكن مزقتها الصراعات حيث نعمل وهي غزة والسودان وهايتي وأوكرانيا، حيث تحدثنا مع الأطفال والآباء والمعلمين وخبرائنا حول ما يعنيه الحرمان من المدرسة. نحن نحجب العديد من الأسماء لأسباب تتعلق بالسلامة.
غزة
انتقلت عائلة أحمد من الضفة الغربية إلى غزة على أمل أن يتلقى هو وإخوته تعليماً جيداً. تقول نور والدة أحمد: "أريد لأطفالي أن يعيشوا حياة أفضل من حياتي".
لكن الخبراء يقولون إن الحرب التي دامت قرابة عام دمرت أو ألحقت الضرر بنحو 560 مدرسة في غزة، وحرمت مئات الآلاف من الأطفال المصابين بصدمات نفسية من التعليم. لقد رأى أحمد جثثاً ممزقة بسبب القصف ونجا من عمليات نزوح متعددة إلى مخيمات مزدحمة، حيث ترتفع درجات الحرارة في الصيف وتتجمد في الشتاء.
يقول أحمد، الذي تعيش عائلته الآن في وسط مدينة دير البلح: "أخشى القصف والغارات الجوية. أخاف عندما ينفجر منزل أو خيمة قريبة فجأة وتختفي".
في الوقت الحالي، يذهب أحمد إلى "خيمة تعليمية"، حيث يزود برنامج الأغذية العالمي الطلاب الصغار بألواح التمر والوجبات الخفيفة المغذية الأخرى للتخفيف من حدة الجوع وسوء التغذية المتزايدين اللذين يلاحقان القطاع.
تقول المعلمة إكرام، التي أسست هذه المبادرة التعليمية: "تسعى هذه المبادرة بكل السبل لاحتضان الأطفال من خلال توفير مساحة آمنة لهم وإبعادهم عن المهام الصعبة التي لا ينبغي لهم القيام بها".
وتضيف إكرام: "إذا انتهت الحرب اليوم، فسيكون من الصعب للغاية على الأطفال العودة إلى المدارس، أو إلى أي شكل من أشكال التعليم الطبيعي".
السودان
بالنسبة لمحمد البالغ من العمر 13 عامًا، فإن المدرسة ومنزله في الخرطوم باتا حلمًا بعيد المنال.
يقول محمد، الذي لجأت عائلته إلى ولاية كسلا بشرق السودان: "أكثر ما أحببته في المدرسة هو أساتذتي". لا يزال محمد يأمل أن يصبح مخترعًا عندما يكبر ليصنع سيارة يمكنها أن تأخذك إلى أي مكان.
على بعد آلاف الكيلومترات إلى الغرب، تريد اللاجئة السودانية سمر أن تصبح طبيبة. تقول: "الكثير من الناس في مجتمعي مرضى. أريد العودة إلى المدرسة وعلاج الناس".
لكنها مثل محمد، لا يمكنها الدراسة. لا توجد مدرسة رسمية في مخيم أدري للاجئين في تشاد، حيث تعيش الآن في كوخ صغير من القش مع عائلتها.
تقول مسؤولة الوجبات المدرسية في برنامج الأغذية العالمي إيناس جعفر إن أطفال السودان كانوا يواجهون بالفعل الجوع وتحديات التعلم قبل اندلاع الحرب. وقد قدم برنامج التغذية المدرسية التابع لبرنامج الأغذية العالمي حلًا لكلا الأمرين؛ حيث استهدف حوالي 1.2 مليون طفل قبل الصراع، بتقديم الطعام للصغار وإعطاء الحافز للآباء لإرسال أطفالهم وإبقائهم في المدرسة. في العام الدراسي الحالي، يهدف برنامج الأغذية العالمي إلى الوصول إلى أقل من نصف هذا العدد من الطلاب.
تقول جعفر عن المدارس المغلقة في العديد من أجزاء البلاد: "إن تأثير الحرب هائل. لقد تأثر أطفالي. فقد خسر الأطفال ما يزيد عن العام دون تعليم. والأطفال هم استثمار كبير للبلاد".
هايتي
في هايتي، أدى العنف وعدم الاستقرار إلى إغلاق مئات المدارس وزيادة معدلات الجوع بين الأطفال، وخاصة في بورت أو برنس ومقاطعة أرتيبونيت في الشمال الغربي. وقد أدى الاضطراب إلى تقليص حاد في أعداد الدارسين في أماكن مثل مدرسة أرجنتين بيليغارد الوطنية، في وسط مدينة بورت أو برنس - والتي كانت تضم ذات يوم أكثر من 500 طالب.
اليوم، تكتظ مباني المدرسة بالطلاب من مدرستين؛ وتحضر كل مجموعة الفصول الدراسية في أيام منفصلة. وهم يتقاسمون المكان مع النازحين مثل شيرلين، ممن تصطف خيامهم على طول الممرات. وتتزايد التوترات مع أولياء أمور المدارس، الذين يريدون من النازحين المغادرة.
تقول شيرلين: "ليس لدي أي دعم، وأنا قلقة من أنني لن أجد مكانًا أذهب إليه عندما أُجبر على مغادرة هذا المكان".
بالإضافة إلى تقديم الأموال للنازحين، يقدم برنامج الأغذية العالمي وجبات غداء ساخنة لطلاب مدرسة أرجنتين بيليغارد، الذين يعدون من بين ما يقرب من نصف مليون طالب في هايتي من المتوقع أن يتلقوا وجبات مدرسية من برنامج الأغذية العالمي في العام الدراسي المقبل. تلعب بعض المؤسسات دورًا إضافيًا كشبكات الأمان غير الرسمية للأطفال المتضررين من العنف.
يقول مسؤول الوجبات المدرسية في برنامج الأغذية العالمي، توني ديسيرال: "تستقبل العديد من المدارس الطلاب الذين ليس لديهم موارد. يتلقى بعض الأطفال وجبتهم الوحيدة في اليوم في المدرسة، وفي بعض الحالات يعودون إلى المنزل لمشاركتها مع أشقائهم".
أوكرانيا
لا يزال العديد من الأطفال الأوكرانيين قادرين على الذهاب إلى المدرسة، على الرغم من الحرب التي اندلعت في بلدهم في عام 2022. ولكن كما هو الحال في البلدان الأخرى المتضررة من الصراع، دمر القتال مئات المدارس أو ألحق بها الضرر. أصبحت الدراسة في الملاجئ وعن بعد هي الوضع الطبيعي الجديد.
في العام الدراسي الماضي، وصلت وجبات برنامج الأغذية العالمي الساخنة إلى ما يقرب من 90 ألف طفل في المدارس الابتدائية في أوكرانيا. هذا العام، نخطط لمضاعفة هذا العدد.
يقول رومان، مدير مدرسة ساراتا الابتدائية في مدينة أوديسا جنوب أوكرانيا: "لقد ساعدنا برنامج التغذية المدرسية كثيرًا". ويضيف أنه بفضل مساهمات برنامج الأغذية العالمي والحكومة المحلية، "استطعنا خفض تكاليف الغذاء التي يحتاجها الآباء لدفع ثمن وجبات أطفالهم بنسبة 50-80 في المائة".
مع ذلك، يقول رومان إن الحرب كانت صعبة على التلاميذ الصغار. لذا، إلى جانب الدروس، تقدم مدرسة ساراتا الرياضية الكثير من الأنشطة والدعم النفسي بعد المدرسة. لم يعد التعلم في الملاجئ يثير القلق. يقول رومان: "يعمل المعلمون والأخصائيين النفسيين مع الطلاب في الملاجئ".
قالت الأم ريجينا، التي التحقت ابنتها سابينا البالغة من العمر تسع سنوات بالنادي الرياضي في المدرسة، إن بداية العام الدراسي الماضي كانت صعبة. كانت صفارات الإنذار من الغارات الجوية تنطلق باستمرار. لكنها تقول عن سابينا ابنتها أنها "اعتادت على ذلك بالفعل".
تقول ريجينا إن سابينا ترغب في العمل مع الدلافين عندما تكبر. تضيف: "بالنسبة لي، أهم شيء هو أن تكون ابنتي سعيدة، وأكبر أمنياتي هي أن تنتهي الحرب".