من الممكن التوصل للقاح لفيروس كورونا، ولكن ليس هناك لقاحاً لتغير المناخ
لقد وضعت جائحة كوفيد-19 الحالية قدرات الحكومات على إدارة المخاطر أمام اختبارٍ لم تتعرض له من قبل، كما أُنهكت سبل كسب العيش لحد الانهيار، حيث يواجه 130 مليون شخص آخرون خطر الانزلاق إلى هاوية الجوع الشديد قبل نهاية العام.
لا تواجه البلدان الجائحة نفسها فحسب، بل تواجه أيضًا مصادمات مع مشكلات أخرى إقليمية وعالمية. وهذا يشمل أزمة المناخ، التي تعطل عمليات الاستجابة لجائحة كورونا في جميع أنحاء العالم وتزيد من تفاقم التراجع الاقتصادي.
على مدار الأشهر القليلة الماضية، وبالتزامن مع تفشي الفيروس، ضربت الموجات الجوية الشديدة البلدان المعرضة للخطر حول العالم بشكل متزايد. ففي جزر المحيط الهادئ، على سبيل المثال، تعرضت جهود الاستجابة لفيروس كورونا للتقويض بسبب الإعصار المداري هارولد، الذي طمس معالم الطرق وممرات الطيران وأتى على الاحتياطيات الغذائية في مناطق فانواتو وجزر سليمان وفيجي وتونجا.
وفي شرق أفريقيا، عرضت الفيضانات الغزيرة وموجات غزو الجراد 90 مليون هكتار من الأراضي الزراعية للخطر؛ مما دفع السكان إلى ترك منازلهم وأدى إلى تفاقم أزمة الغذاء الإقليمية التي تضرر بسببها بالفعل ما يقرب من 30 مليون شخص.
كما ضرب الإعصاران أمفان ونيسارجا الهند وبنجلاديش، مما عرض السلطات لصعوبات كبيرة في المحافظة على التباعد الاجتماعي في ملاجئ الإيواء من الأعاصير وحماية البنية التحتية الصحية التي تعتبر حيوية للغاية في إدارة كل من جائحة كوفيد-19 وأيضًا تأثير موجات الحر التي تتزايد حدتها.
ستظل هذه المخاطر المناخية تذكرنا بأننا لا نعيش في عالم يتعرض لخطر وحيد. فلا تظهر أكبر التهديدات للمجتمعات واحدة تلو الأخرى، بل إن المخاطر تظهر متزامنة، وتعبر الحدود الوطنية، وتجتمع بعضها مع بعض.
وهذا ينطبق على الأوبئة والأزمات المالية العالمية والهجمات الإلكترونية مثلما ينطبق على الصدمات المناخية والضغوط التي أصبحت من أهم "عوامل مضاعفة المخاطر" كلما ارتفعت درجة حرارة الأرض - مما دفع بمجموعة من المشكلات الجديدة مثل النزاعات وانهيار سلاسل القيمة الزراعية إلى الظهور.
يمكن أن تسرع الأخطار المتزايدة من وتيرة تعرض الأسر لمخاطر جديدة. ونظرًا للتأثيرات المتعددة التي يمكن أن تحدثها إحدى الأزمات على الدخول والأصول، تتغير قدرات السكان على التكيف مع المشكلات الجديدة والإضافية بسرعة كبيرة.
في بنجلاديش، يساعد برنامج الأغذية العالمي وشركاؤه الحكومة على الاستعداد لمواجهة تأثيرات الفيضانات القادمة وموسم الأعاصير في نفس وقت استجابتها للجائحة. واعتمادًا على الخبرة المكتسبة من العام الماضي، عندما قام برنامج الأغذية العالمي بتسهيل المدفوعات النقدية لنحو 4500 أسرة قبل أن تتأثر بذروة الفيضانات الموسمية، تعمل المنظمة مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية لتوسيع نطاق "التمويل القائم على التوقعات"- وهي آلية لاستباق الصدمات المناخية وتعزيز قدرة المجتمعات على الصمود - للتصدي للتغيرات السريعة في مواطن الضعف.
لقد انضم الكثيرون إلى الفئات المحتاجة والضعيفة حاليًا بعد أن كانوا أفضل حالًا خلال عام 2019؛ وذلك بسبب تعرضهم للتداعيات الصحية والاقتصادية لجائحة فيروس كورونا. إن إشراك هؤلاء الفئات في برامج التحويلات النقدية الوقائية يساعد الحكومة على إدارة خطرين في الوقت نفسه.
في حين يمكن اتخاذ خطوات عاجلة من خلال المساعدات الإنسانية لتقليل الخسائر في الأرواح بسبب المخاطر المنفردة، تحتاج الحكومات إلى تبني استراتيجيات ونظم طويلة الأجل للتكيف مع الواقع الأكثر خطورة الذي يعيشه العالم.
وبينما يمكن العثور على لقاح لـفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، لا يوجد لقاح لتغير المناخ المفاجئ. وبعد فترة طويلة من السيطرة على الوباء، سيظل صغار المزارعين يشيرون إلى الحقول التي اجتاحها الجفاف والصوامع الفارغة عندما تصبح الظروف المناخية أكثر تطرفاً ولا يمكن التنبؤ بها.
وستتفاقم موجات الجفاف والفيضانات والعواصف بسبب المخاطر الأقل شيوعًا مثل الآفات وموجات الحر الشديد وفقدان التنوع البيولوجي والنزاعات على الموارد. وسوف يُنظر إلى هذه الحقائق الجديدة على أنها أكثر تدميراً من أزمة الصحة العالمية التي نمر بها في الوقت الحالي. لهذا السبب، يجب الاعتراف بهذه الحقائق الآن وإدماجها في خطط وأنظمة التكيف الوطنية، حتى تكون البلدان مستعدة لمواجهة ما قد يحدث.
وفي مواجهة مثل هذه الحقائق الجديدة والناشئة، ما الذي يمكن أن تساهم به المنظمات الإنسانية؟ على سبيل المثال، يتمتع العاملون في المجال الإنساني بعقود من الخبرة في التعامل مع المخاطر. إنهم يفهمون كيف تتكشف الأزمات، وكيف تضطر الحكومات إلى استيعاب نفس أنواع الصدمات بشكل متكرر، وكم سيتكلف الأمر - سواء من الناحية البشرية أو المالية - إذا ما اتخذت الإجراءات متأخرًا.
ويدرك العاملون في المجال الإنساني أهمية برامج الحد من المخاطر وبرامج تحويل المخاطر، على الرغم من أن هذه البرامج لا تزال تعاني من نقص التمويل إلى حد كبير على المستوى العالمي. وفي سياق تزايد العوامل المضاعفة للمخاطر، يمكن للمؤسسات الإنسانية أن تعمل بمثابة شركاء كفء للحكومات لتفعيل التنمية المستنيرة بالمعرفة بالمخاطر - ولمساعدة البلدان على إيجاد حلول قائمة على الطبيعة، والتأمين ضد المخاطر المناخية، والحماية الاجتماعية وشبكات الأمان، وأنظمة الإنذار المبكر والاستعداد لحالات الطوارئ لاتخاذ قرارات التخطيط والاستثمار.
لقد أجبر التعامل مع أزمة كورونا (كوفيد-19) العديد من الحكومات على التفكير في حقائق أزمة المناخ. غالبًا ما يتم الحديث عن هذا على أنه "حالة طوارئ عالمية"، لكن الإجراءات الملموسة لا تتبع بالضرورة المفاوضات الدولية بشأن المناخ.
في الوقت الذي تعبر فيه المخاطر الحدود، وعندما ينتج عن هذه المخاطر تأثير الدومينو التسلسلي لوقوع الخسائر والأضرار واحدًا تلو الآخر في الاقتصادات الوطنية، فإن الأنظمة الوطنية المعدة جيدًا هي وحدها القادرة على التعامل مع مستقبل أكثر خطورةً وغموضًا.
لقد منحتنا جائحة كورونا فرصة غير مسبوقة للحصول على منافع هائلة في القدرة على الصمود - بشرط ألا تطلق الحكومات حوافز مادية أو مالية جديدة قد تتسبب في استمرار الوضع الراهن، وأن تدرك أهمية التحول من الممارسات التقليدية الراسخة في مكافحة الحرائق إلى انتهاج سبل أكثر تطلعًا للمستقبل لإدارة الأنواع الجديدة من المخاطر.
*الكاتب: جيرنوت لاجاندا هو رئيس قسم المناخ والحد من مخاطر الكوارث لدى برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة