فرص تحقيق السلام في العراق
آثار الحرب تحيط بنا في كل مكان. ونحن نمضي في طريقنا، شاهدنا هذا المبنى، إنه بالتأكيد سجن أبو غريب، رأينا على طول الطريق من بغداد في اتجاه المنطقة البرية غرب محافظة الأنبار: مبان مهدمة، وجسور منهارة، وأنقاض على جانبي الطريق.
وخلافاً لهذه المشاهد، لا يركز الحديث الدائر داخل السيارة على النزاع بقدر ما يركز على السلام الذي بدأ يحل شيئاً فشيئاً في العراق. فالنازحون يعودون إلى مجتمعاتهم، ويحاولون إعادة بناء حياتهم، وحيثما أمكن، سبل كسب رزقهم. إلا أنه لا يزال هناك 1.8 مليون نازح، يعيش ما يقرب من نصف مليون شخص منهم داخل المخيمات. ولا زال الفساد منتشراً، والخدمات الاجتماعية شحيحة، والجماعات شبه العسكرية كثيرة.
قد تكون داعش قد انهزمت، إلا أن القليلون يعتقدون أن التهديد قد انتهى.
ما هي الفرص لتحقيق السلام إذاً في مثل هذه الظروف؟ هذا هو السؤال الذي ردده ثلاثة من الركاب وهم: راشيل جولدوين وديفيد برانكا من برنامج الأغذية العالمي، وجاري ميلنت من معهد ستوكهولم لبحوث السلام. وقد عقدت المنظمتان خلال العام الماضي شراكة من أجل بحث المساهمة التي يمكن أن يقدمها البرنامج لتحسين فرص تحقيق السلام في العالم. وكخطوة أولى، قام بعض الخبراء بزيارة أربعة بلدان متضررة من النزاع أو خطر وقوع نزاع وهي: مالي، وقيرغيستان، والسلفادور، والعراق. وقد انضممتُ إليهم في بعثة العراق برفقة مصور من أجل توثيق بحثهم بالفيديو.
يقول جاري: "العراق هي حالة مثيرة للاهتمام حقاً." وأضاف: "ففيها عدد من التحديات من بينها التحديات القبلية والعرقية وتحديات إصلاح الحوكمة. ويمكن للبرنامج المساهمة في إحلال السلام من خلال أنشطتهم في جميع هذه المجالات."
وجهتنا اليوم إلى مدينة الرمادي، وهي المدينة التي يرجح أنها أكثر المدن في العراق التي عانت التدمير خلال الحرب ضد داعش. وقد وجهت دعوة للباحثين لحضور تجمع على ضفاف نهر الفرات للاحتفال بإنجاز أحد مشروعات برنامج الأغذية العالمي لإعادة تأهيل عدة كيلومترات من قناة الري التي دمرت خلال الفترة الأخيرة من الحرب. وهم يريدون سماع أصوات المشاركين في المشروع.
وبينما يُجري فريق البحث المقابلات الشخصية، كنت أتحدث مع اثنين من المزارعين الذين عملوا في المشروع. وهما محمد جمعة ومتعب إبراهيم من مدينة الرمادي اللذان فرا منها مع أسرتيهما عندما تقدمت قوات داعش في البلدة في عام 2015، ولم يعودوا إليها إلا بعد تحريرها في العام التالي. ولعلمهما بمدى أهمية قنوات الري لمستقبلهما، انضم الرجلان إلى فرق العمل التي حصلت على النقود من برنامج الأغذية العالمي أثناء تنظيف القنوات وإصلاح محطات الضخ التي دمرها مقاتلو داعش قبل انسحابهم.
يخبرني محمد قائلاً: "عندما عادت الأسر إلى هذه المنطقة، لم يكن بينهم أي اتصال." وأضاف: "ولكن بعد بدء هذا المشروع، بدأوا في العمل معاً، وصديقي يعمل بجانبي." – ويشير إلى متعب بإيماءة من رأسه – ويقول: "هو من قبيلة غير قبيلتي وتعارفنا من خلال المشروع."
كنت أود أن أرافق الرجلين عند عودتهما إلى مزرعتيهما وأصورهما وسط الحقول، ولكن الوقت ضيق وسرعان ما سنعود إلى السيارة في طريقنا إلى وجهتنا التالية. وفي الطريق، أخبرت راشيل عن المزارعين وسألتها كيف يمكن لما قاله المزارعان أن يجيب على استفساراتهم.
قالت راشيل: "نحن نحاول أن نعرف كيف يمكن لعملنا أن يساهم في إحلال السلام." وأضافت: "نحن نسمي هذا نظرية التغيير. فعلى سبيل المثال، قد يكون لمشروع قناة الري أهدافه الخاصة – وهي نقل المياه إلى الأراضي الزراعية. ولكننا نحاول أن نفهم إذا كانت هناك نتائج على نطاق أوسع تترتب على إصلاح هذه القناة. فمن المحتمل أن يكون العمل المشترك قد ساعدهم على التغلب على العداوات القديمة. وهذه هي أشكال التغيير التي نحاول اكتشافها عندما نتحدث مع المجتمعات المحلية."
إذا أمكن وضع مثل هذه المبادئ في مجموعة من البحوث، فقد يكون من الممكن تصميم وتنفيذ البرامج الإنسانية بشكل أكثر فاعلية - وهي إحدى أولويات البرنامج منذ أن أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في العام الماضي قرارًا تاريخيًا يعترف باستحالة القضاء على الجوع في عالم تجتاحه الحروب.
ولكن يوجد أمر آخر مماثل - إن لم يكن أكثر أهمية – يؤرق برنامج الأغذية العالمي والمنظمات الإنسانية الأخرى.
توضح راشيل: "في الواقع نحن نمضي في اتجاهين." وتضيف: "في الوقت الذي نهتم فيه بمساهمتنا في تحقيق السلام، علينا أن نتأكد من أننا لا نقع في أخطاء وننخرط في النزاع. ونحن نطلق على ذلك اسم "مراعاة ظروف النزاعات". وفي الوقت الحالي، لا نملك فعلياً الأسس اللازمة لذلك."
وصلنا إلى عامرية الفلوجة، وفيها مخيم يحتوي على عدد من الخيام البيضاء وسط أطلال مدينة الأنبار التي ألهبتها أشعة الشمس؛ حيث يعتزم الفريق مقابلة بعض الأسر النازحة جراء الحرب والتي لا تستطيع العودة إلى ديارها لأسباب مختلفة منها انعدام الأمن، ونقص الخدمات، ونقص فرص العمل. ويضم المخيم أناس من خلفيات قبلية مختلفة. وقد وصمت بعض الأسر بأنها على علاقة بداعش لأن لها قريب انضم إلى الجماعة المتطرفة.
إن تقديم المساعدات الإنسانية في مثل هذه البيئة يمثل تحدياً كبيراً. ويجب تحقيق التوازن بين ضرورة مساعدة الفئات الأشد احتياجاً وأهمية عدم التفضيل – أو عدم إظهار التفضيل – لفئة من المجتمع المحلي على حساب فئة أخرى. وأي خطأ في هذا الأمر ستكون له عواقب وخيمة على جميع الأطراف المعنية. إن الوعي بمثل هذه الأمور والمبادئ التي تحكمها يمثل أمراً حيوياً إذا كان العاملون في المجال الإنساني يودون المساهمة فعلياً في إحلال السلام في العالم. وهذا البحث الذي يجريه حالياً باحثون من برنامج الأغذية العالمي ومعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام يمثل خطوة هامة في هذه العملية.