تداعيات الحرب المحتدمة في السودان تلقي بظلالها على البلدان المجاورة
لا تنسى خديجة أباكار صور الأشخاص الذين تركتهم وراءها، بعد فرارها من منزلها في منطقة دارفور التي مزقتها الحرب في السودان.
تتذكر خديجة الأم لستة أطفال ما مرت به قائلة: "لقد رأينا جثثاً على طول الطريق. كان الجرحى غارقين في دمائهم، يبكون طلباً للمساعدة. لكن لم يكن هناك من يساعدهم".
اليوم أصبحت أباكار وأطفالها بأمان بعد أن عبروا الحدود إلى شرق تشاد في يوليو/تموز الماضي. منذ ذلك الحين انضم إليهم أفراد آخرون من الأسرة في مخيم مكتظ في بلدة أدري الحدودية.
وجودهم في هذا المخيم هو الشيء الوحيد المريح بالنسبة إليهم. يفتقر عشرات الآلاف من اللاجئين السودانيين في أدري إلى الماء والمأوى والنظافة الصحية المناسبة. يوجد مرحاض واحد فقط لكل 300 شخص أو أكثر.
بينما قام برنامج الأغذية العالمي بتوزيع المساعدات الغذائية على مئات الآلاف من الأشخاص الذين يصلون أدري من السودان، ولكن نقص التمويل والأمطار الوشيكة التي ستمنع الوصول إلى الأماكن النائية، قد يؤديان إلى تقليص هذا الدعم إلى حد بعيد.
تقول أباكار، التي ترتدي ثوبًا ذا ألوان زاهية تتناقض مع ألوان الصحراء المقفرة حولها: "الأسعد حظاً فقط يتناولون وجبة واحدة في اليوم. لا أستطيع أن أتخيل كيف سيكون وضعنا إذا توقف برنامج الأغذية العالمي عن توزيع المواد الغذائية في المخيم".
إن شح التمويل، والتي يواجهها الشركاء الإنسانيون الآخرون أيضاً، تؤدي إلى تفاقم واتساع الأزمة السودانية المستمرة منذ عام تقريباً. لقد أدى القتال الذي اندلع وانتشر من العاصمة الخرطوم في أبريل/نيسان الماضي إلى نزوح ما يقرب من 8 ملايين شخص.
من بين هؤلاء، فر حوالي 1.8 مليون شخص إلى البلدان المجاورة، معظمهم إلى تشاد وجنوب السودان. وبينما قام البرنامج باستجابة إنسانية واسعة النطاق، فإن أزمة التمويل تجبرنا الآن على قطع المساعدة عن مئات الآلاف من الأشخاص المتأثرين بالصراع في كلا البلدين.
قال المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي لشرق أفريقيا مايكل دانفورد، خلال زيارة قام بها مؤخراً إلى بلدة الرنك الحدودية بجنوب السودان: "إن تأثير هذا الصراع يمتد إلى ثلاثة بلدان - السودان وجنوب السودان وتشاد - وقد خلق أكبر أزمة نزوح في العالم. إن الأطفال والنساء الذين يعبرون الحدود إلى جنوب السودان أو تشاد يعانون الجوع ويصلون بلا موارد".
لا شيء للأكل
لقد تضاعف عدد اللاجئين في تشاد خلال العام الماضي، حيث عبر أكثر من نصف مليون شخص الحدود من السودان. يصل العديد منهم مصابين وجائعين بشدة، مع حكايات مروعة عما مروا به في طريقهم وعن الحرب. يأتي جزء كبير من اللاجئين مثل أباكار من دارفور إلى تشاد عبر الحدود الفاصلة بين الدولتين .
تقول الجدة ماكا آدم التي فرت من مدينة الجنينة بغرب دارفور: "ضربنا رجال مسلحون وطاردونا. لقد أحرقوا منازلنا وسرقوا جميع ممتلكاتنا". تُوفي شقيقها وابن عمها في الاضطرابات، وهناك أفراد آخرون من الأسرة ما زالوا مفقودين. "حتى الآن، لا نعرف ما حدث لهم".
يقوم برنامج الأغذية العالمي بتوزيع الحبوب والبقول والزيت والملح المعالج باليود على الوافدين الجدد، بالإضافة إلى المغذيات المخصصة للأطفال الصغار والنساء الحوامل والمرضعات. لكن عدم كفاية التمويل أجبرنا على خفض المساعدات الغذائية لأكثر من 300 ألف شخص، بما في ذلك اللاجئين من أجزاء أخرى من أفريقيا الموجودين منذ فترة طويلة. بدون أموال إضافية، ستؤثر هذه التخفيضات على عدد أكبر من الأشخاص، بما في ذلك أولئك الذين فروا من السودان.
العواقب يمكن أن تكون كارثية. من المتوقع بالفعل أن يواجه حوالي 2.9 مليون شخص جوعاً حاداً في تشاد خلال موسم العجاف بين مواسم الحصاد هذا العام، وفقاً لنتائج الخبراء، وهو أعلى مستوى تم تسجيله على الإطلاق لتلك الفترة. يعتبر اللاجئون في شرق تشاد، إلى جانب المجتمعات الهشة الأخرى، من بين الفئات الأكثر ضعفاً.
هناك حاجة عاجلة إلى الأموال حتى يتمكن برنامج الأغذية العالمي من تخزين المواد الغذائية قبل هطول الأمطار في يونيو/حزيران، الأمر الذي يهدد بقطع الطرق المؤدية إلى المجتمعات النائية.
يقول المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي في تشاد بيير أونورات: "لتجنب الكارثة، نحن بحاجة ماسة إلى 224 مليون دولار أمريكي لتوفير مخزونات غذائية قبل أن يؤدي ارتفاع منسوب مياه الأنهار إلى قطع الطرق".
في أدري، باعت اللاجئة أباكار ممتلكاتها القليلة التي وصلت بها للمساعدة على إطعام أسرتها الكبيرة. لكن هذه الأموال نفدت بسرعة،. وحتى مع المساعدات الغذائية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي، فإن أطفالها يبكون من الجوع. إنها ضعيفة بشكل لا يسمح لها حتى بإرضاع صغيرها.
تقول أباكار: "إن الأيام التي لا يوجد فيها ما نأكله هي الأيام الأكثر صعوبة".
مخاوف من أزمة منسية
الوضع سيئ بشكل مماثل في جنوب السودان. لقد وصل أكثر من نصف مليون شخص من السودان منذ أبريل الماضي. العديد منهم مواطنون من جنوب السودان عائدون مجددًا إليها، لكن الأعداد الأكبر هي من السودانيين.
تقول اللاجئة السودانية مهيدة إبراهيم، وهي أم لثلاثة أطفال وصلت إلى معبر الرنك الحدودي المكتظ في جنوب السودان: ”ما نحتاج إليه هو الغذاء. الدعم الفوري الذي نحتاجه هو أن نأكل لنتمكن من البقاء على قيد الحياة".
يصل هؤلاء اللاجئون إلى بلد قام فيه برنامج الأغذية العالمي بالفعل بتخفيض الحصص الغذائية، نتيجة لأزمة التمويل. يواجه ما يقرب من 60 في المائة من سكان جنوب السودان أزمة أو مستويات أسوأ من انعدام الأمن الغذائي، ولكن لا يمكننا سوى دعم أولئك الذين يعانون أشد حالات الطوارئ المتعلقة بالجوع.
مع استمرار تزايد أعداد اللاجئين والعائدين من السودان، فإن ذلك يفرض ضغوطاً إضافية على الموارد المنهكة بالفعل. يصل أشخاص بلا أمل لمواجهة وضع لا يبعث على الأمل كذلك.
يقول رئيس قسم التغذية والتغذية المدرسية في برنامج الأغذية العالمي في جنوب السودان أتشال تشاند: "إن الأشخاص الذين يعبرون الحدود إلى جنوب السودان منهكون. إنهم في حاجة ماسة حقًا للمساعدة، وكذلك إلى مكان آمن للهروب من الأزمة في السودان".
على الرغم من القيود التمويلية، يواصل برنامج الأغذية العالمي تقديم البسكويت المدعم بالعناصر الغذائية، والمساعدات النقدية الكافية لمدة أسبوع، بالإضافة إلى الدعم التغذوي للنساء والأطفال الصغار. لكن العديد من الأشخاص يقيمون في الرنك لفترة أطول بكثير من الأسبوع الذي يغطيه دعمنا النقدي. يتفاقم سوء التغذية كلما طالت مدة إقامتهم، حيث تنفد مواردهم.
الواقع أن الوافدين السودانيين يمثلون أكثر من ثلث أولئك الذين يواجهون الجوع الكارثي في جنوب السودان، على الرغم من أنهم يشكلون 3% فقط من إجمالي السكان.
يقول تشاند عن مستوى الاهتمام الدولي، بينما تتصدر كوارث أخرى عناوين الأخبار: "لقد أصبح السودان وتأثيره في جنوب السودان منسياً. يجب أن نتأكد من أننا لا ننسى هذه الأزمة".
مخاوف مماثلة يشعر بها أيضاً الكثيرون في تشاد، مثل الجدة ماكا آدم التي تشعر بالقلق بشأن أقاربها الذين ما زالوا محاصرين في القتال في السودان وبشأن المستقبل.
تقول ماكا: "حتى لو وجدت الأمن والسلام في تشاد، فإن قلبي لا يزال في السودان".