تسع من أصل كل عشر أسر سورية لاجئة في لبنان تعيش حالياً في فقر مدقع، وفقاً لدراسة نشرتها الأمم المتحدة
إن الانكماش الاقتصادي والتضخم الحاد وتفشي وباء كوفيد -19 وأخيراً انفجار بيروت قد دفع المجتمعات الضعيفة في لبنان – بما في ذلك اللاجئون السوريون – إلى حافة الهاوية، مع استفحال حالة الفقر والعوز التي تعيشها آلاف العائلات.
ومن أكثر المؤشرات المثيرة للقلق لتأثير الأزمات المتفاقمة التي يواجهها اللاجئون السوريون في لبنان، الزيادة الحادة في نسبة الأسر التي تعيش تحت خط الفقر المدقع، إذ وصلت هذه النسبة إلى 89% في عام 2020، بعد أن كانت 55% قبل عام واحد فقط. تعيش هذه الأسر حالياً بأقل من 308,728 ليرة لبنانية للفرد الواحد في الشهر – أي بأقل من نصف الحد الأدنى للأجور في لبنان.
تشرح ميراي جيرار، ممثلة نشرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان كيف أن "الأزمات المتتالية قد أثّرت على جميع المجتمعات في لبنان – من سكان لبنانيين ولاجئين ومهاجرين وغيرهم – علماً أن الفئات الاضعف هي الأكثر تضرراً. إن وضع اللاجئين السوريين في لبنان يتدهور منذ سنوات، غير أن نتائج الدراسة لهذا العام تشكّل مؤشراً دراماتيكياً على مدى صعوبة الصمود والنجاه بالنسبة لهم". وتضيف جيرار: "يتم نشر النتائج الرئيسية اليوم في حين يواجه اللاجئون السوريون أصعب فصل شتاء لهم حتى هذا التاريخ في لبنان بموارد ضئيلة لا تكفي لكي ينعموا بالدفء والأمان."
تراكم الديون على اللاجئين أكثر من أي وقت مضى
وقد أشارت نتائج الدراسة إلى أن متوسط الديون المتراكمة على الأسر قد ارتفع بنسبة 18 في المئة، إذ بات يقارب 1,840,000 ليرة لبنانية للأسرة الواحدة. والسبب الرئيسي للاستدانة هو شراء الطعام (93 في المائة)، يليه الإيجار والأدوية بنسبة 48 و34 في المائة على التوالي. على غرار العام السابق، 9 من أصل كل 10 أسر تستدين لتعيش، ممّا يشير إلى أن أسر اللاجئين السوريين لا تزال تفتقر إلى الموارد الكافية لتلبية احتياجاتها الأساسية.
نصف اللاجئين السوريين يعانون حالياً من انعدام الأمن الغذائي
ارتفعت أسعار المواد الغذائية في لبنان ثلاثة أضعاف تقريباً منذ شهر تشرين الأول 2019، إذ سجلت زيادة بنسبة نحو 174 في المئة. في الوقت نفسه، تقلصت فرص كسب الدخل بشكل كبير بسبب الركود الاقتصادي الحاد الذي شهدته البلاد خلال الاثني عشر شهراً الماضية.
تظهر النتائج أن نصف عائلات اللاجئين السوريين الذين شملهم الاستطلاع يعانون من انعدام الأمن الغذائي، مقارنة بنسبة 28 في المائة في الوقت نفسه من عام 2019.
أما عدد الأسر التي تعتمد أنظمة غذائية غير كافية، فقد تضاعف مقارنة بالعام السابق (من 25% في عام 2019 إلى 49% في عام 2020)، في حين أن عدد الأسر التي تلجأ إلى آليات تكيف غذائية ضارة، مثل تقليل عدد الوجبات في اليوم أو تقليل حصص الطعام، آخذ أيضاً في الارتفاع.
يسجّل انعدام الأمن الغذائي نسبةً أكبر بقليل لدى الأسر التي تعيلها نساء مقارنة بتلك التي يعيلها رجال، وتلجأ نسبة أعلى بكثير من الأسر التي تعيلها نساء (68 في المائة) مقارنة بالأسر التي يعيلها رجال (13 في المائة) إلى استراتيجيات تكيّف يتم اللجوء إليها عادة بحسب التصنيفات المعتمدة خلال الأزمات أو حالات الطوارئ. من استراتيجيات التكيّف في الأزمات، تزويج الأطفال دون سن 18 عاماً، وبيع الأصول المنتجة، وإخراج الأطفال من المدرسة وتقليل الإنفاق على التعليم والصحة. أما استراتيجيات التكيف في حالات الطوارئ، فتشمل التسول والقبول بوظائف عالية الخطورة أو إرسال الأطفال إلى العمل.
وبحسب عبد الله الوردات، ممثل برنامج الأغذية العالمي ومديره القطري في لبنان: "إن اللاجئين هم الأشخاص الأكثر عرضة للخطر في أي مجتمع؛ والأمر لا يختلف في لبنان حيث يعاني السكان بمجملهم من أزمات متعددة تؤثر حتى على الطبقة الوسطى في البلاد.وبفضل الدعم السخي الذي تقدّمه الجهات المانحة، يواصل برنامج الأغذية العالمي تقديم المساعدة إلى أكثر من 800,000 لاجئ كل شهر."
محدودية الوصول إلى التعلم عن بعد وارتفاع في نسبة عمل الأطفال
بسبب جائحة كوفيد-19، تم إغلاق جميع المدارس الرسمية في لبنان اعتباراً من شهر آذار 2020، وتم اعتماد التعلم عن بعد في جميع أنحاء البلاد. بحسب التقارير، 65 في المائة من الأطفال الذين هم في سن الدراسة (أي الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و17 عاماً) والمسجلين في المدارس، لم يتابعوا دراستهم سوى عندما كانوا يحضرون شخصياً قبل الإغلاق في آذار 2019. أما نسبة الـ35 في المائة المتبقية، فقد تمكّنوا من الوصول إلى بعض التعلم عن بعد، غير أن ثلثهم لم يتمكنوا من متابعة دروسهم، وذلك بشكل رئيسي بسبب انعدام أو عدم كفاية خدمة الإنترنت.
تضاعفت تقريباً نسبة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاماً والمنخرطين في عمل الأطفال، إذ ارتفعت هذه النسبة من 2.6 في المائة في عام 2019 إلى 4.4 في المائة في عام 2020. ومن الملاحظ أن الفتيان أكثر انخراطاً في عمالة الأطفال (6.9 في المائة) مقارنة بالفتيات (1.6 في المائة).
بحسب يوكي موكو، ممثلة اليونيسف في لبنان، "أصبح وضع الأطفال أكثر حساسية إثر الأزمات غير المسبوقة التي واجهها لبنان خلال هذا العام." وأضافت أنّه "يجب ضمان المحافظة على صحة الأطفال والشباب الأكثر حاجة وسلامتهم وتعلمهم كما يجب تحييدهم عن آليات التكيف السلبية، مثل عمالة الأطفال."
إمكانية الوصول إلى الوثائق المدنية: تحدِّ مستمر
على غرار عام 2019، لا يزال حوالي 70% من اللاجئين السوريين يفتقرون إلى إقامة قانونية. وذلك يؤثر على جميع جوانب حياة اللاجئين، ليس فقط من جهة تقييد حركتهم جرّاء زيادة خطر التعرض للاعتقال والاحتجاز، وإنما أيضاً في خلق تحديات إضافية من جهة تأمين السكن وسبل كسب العيش.
على الرغم من ملاحظة بعض التحسن في تسجيل الولادات في عام 2019، غير أن ذلك لم يستمر في عام 2020. ففي هذا العام، تم تسجيل 28 في المائة فقط من الولادات الحاصلة في لبنان في سجل الأجانب، مقارنة بـ30 في المائة في عام 2019 و21 في المائة في عام 2018. غير أن جميع الولادات تقريباً (98 في المائة) موثّقة بالحد الأدنى (شهادة طبيب أو قابلة).
تراجع التوترات بين المجتمعات المضيفة واللاجئين
على غرار السنوات السابقة، تمّت الإشارة إلى التنافس على الوظائف من قبل عدد من العائلات (40%) كأحد الدوافع الرئيسية للتوتر بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة، غير أن هذه النسبة تشكّل انخفاضاً حاداً مقارنة بعام 2019 (51%). كما انخفضت نسبة العائلات التي أشارت إلى التنافس على الموارد من 20 في المائة في عام 2019 إلى 8 في المائة فقط في عام 2020.
نبذة عن تقييم جوانب الضعف لدى اللاجئين السوريين في لبنان
تمّ إجراء تقييم جوانب الضعف لدى اللاجئين السوريين في لبنان (VASyr) بالاشتراك بين المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي واليونيسف. وتقييم العام 2020 هو النسخة الثامنة من هذه الدراسة السنوية.
لقد أثّر الوضع في لبنان على جميع السكان المقيمين في البلاد – اللبنانيين واللاجئين والمهاجرين وغيرهم – وكان الضرر الأكبر من نصيب الفئات الأكثر ضعفاً. يتناول التقييم بشكل خاص اللاجئين السوريين، غير أن المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي واليونيسف تعمل عن كثب مع السلطات اللبنانية والمنظمات الأخرى، بما في ذلك البنك الدولي، من أجل تحليل تأثير الوضع على السكان اللبنانيين المحتاجين، وتوفير المساعدة المناسبة.
بين شهري آب وأيلول 2020، زارت فرق التقييم عينة تمثيلية على صعيد الوطن تضمّ 4,563 أسرة لاجئة سورية تتوزّع في جميع المناطق اللبنانية.
يشكّل هذا التقييم حجر الزاوية لخطة لبنان للاستجابة للأزمة (LCRP) والتخطيط لبرامج العديد من المنظمات غير الحكومية (الدولية) والأمم المتحدة والجهات الفاعلة في مجال التنمية.
المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (المفوضية) هي منظمة عالمية تكرس عملها لإنقاذ الأرواح وحماية الحقوق وبناء مستقبل أفضل للاجئين والمجتمعات النازحة قسراً والأشخاص عديمي الجنسية. تعمل المفوضية عن كثب مع الحكومة اللبنانية والعديد من الشركاء الوطنيين والدوليين الآخرين من أجل توفير الحماية والمساعدة للاجئين والأشخاص عديمي الجنسية، فضلاً عن السكان اللبنانيين.
برنامج الأغذية العالمي حائز على جائزة نوبل للسلام لعام 2020 وهو أكبر منظمة إنسانية في العالم، تكرس جهودها من أجل إنقاذ الأرواح في حالات الطوارئ واستخدام المساعدات الغذائية لتمهيد الطريق إلى السلام والاستقرار والازدهار للأشخاص الذين يتعافون من النزاعات والكوارث وتأثيرات تغير المناخ. في لبنان، يُعتبر برنامج الأغذية العالمي، بالتعاون الوثيق مع شركائه، أكبر مزود للمساعدات الغذائية وغير الغذائية المباشرة للاجئين والسكان اللبنانيين الأكثر حاجة.
تعمل اليونيسف في أصعب الأماكن في العالم للوصول إلى الأطفال الأشد حرماناً. نعمل في أكثر من 190 بلداً وإقليماً لصالح جميع الأطفال في كل مكان، من أجل بناء عالم أفضل للجميع.