منازل مدمرة وأحلام محطمة: سكان غزة الجائعون ينهون عاماً كئيباً
قال لي عبد الرحمن: "يا رجل، أحتاج إلى الطعام."
كنا في مدينة خان يونس جنوب غرب غزة، حيث كان الرجال يوزعون الأرز الساخن لحشود بائسة كانت تتدافع لملء أوعيتها بالطعام. كان هناك صبي يبكي، خائفًا من أن ينفد الطعام الذي وفره برنامج الأغذية العالمي قبل أن يأتي دوره.
"كنت طموحًا. كان لدي أحلام"، قال عبد الرحمن واصفًا أحلامه المحطمة مثل المباني التي كانت تحيط بنا. "لكني أحتاج إلى طعام. لا أستطيع شراء الخبز".
وصلت إلى غزة في اليوم السابق، قادمًا من عمان في رحلة استغرقت 10 ساعات على متن حافلة مزدحمة بموظفي الإغاثة الإنسانية. استغرقت بعض هذا الوقت في انتظار عبور معبر كرم أبو سالم الإسرائيلي إلى القطاع – وهو واحد من الممرات القليلة المتاحة لتوصيل المساعدات الإنسانية التي تنقذ الأرواح.
تراكمت كميات كبيرة من الإمدادات الضرورية والعاجلة – بما في ذلك صناديق الأدوية والطعام والمساعدات الأخرى – في انتظار التصريح لها بالعبور هناك. وتنتظر أيضاً العدد القليل المتاح من الشاحنات والسائقين المخولين الذين يمكنهم التنقل عبر الطرق المدمرة، وحشود الناس اليائسة، والعصابات المسلحة، ليقوموا بتوصيلها.
زيارتي التي استمرت 10 أيام إلى غزة، في أوائل ديسمبر/كانون الأول، كانت الأولى لي منذ اندلاع الحرب قبل نحو 15 شهرًا أو أكثر. وكرئيس للاعلام في حالات الطوارئ ببرنامج الأغذية العالمي، وظيفتي هي الاستماع وتسجيل ونقل قصص الناس في أماكن مثل غزة – لإعطاء صوت لمن لا صوت لهم.
أصبحت غزة، التي تبلغ مساحتها تقريباً مساحة مدينة ديترويت الأمريكية، عبارة عن جبل من الأنقاض. لقد زرت العديد من المناطق المنكوبة بالصراعات هذا العام – مثل هايتي التي تعصف بها العصابات، وشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، والعاصمة السودانية الخرطوم التي دمرتها الحرب – ولكن غزة مختلفة. فمن ناحية، تجد أمواج شاطئ البحر الأبيض المتوسط، مما يعطيك شعوراً كاذباً بالهدوء. ولكن على الجانب الآخر، تجد دمار لا نهاية له، ودخان أسود يتصاعد من الأبنية المتفحمة.
هناك فرق آخر بين غزة والعديد من مناطق الحروب: فسكان غزة لا توجد وسيلة تمكنهم من الهروب من الصراع. إنهم محاصرون.
ويتصاعد معدل الجوع بشكل كبير حيث يواجه أكثر من 90٪ من السكان مستويات "الأزمة" أو أسوأ مستويات من انعدام الأمن الغذائي وذلك وفقاً لآخر النتائج التي توصل إليها الخبراء. وهناك أكثر من 300,000 شخص من المحتمل أن يكونوا يعانون من جوع كارثي – وهو أعلى مستوى من انعدام الأمن الغذائي.
تقليص المساعدات
الطعام الذي يسمح لبرنامج الأغذية العالمي بإدخاله إلى القطاع لا يلبي سوى ثلث الاحتياجات الضرورية لإطعام أشد الناس جوعًا. وخلال الأشهر الماضية، أجبرنا على تقليص الحصص الغذائية، ثم تقليصها مرة أخرى. وفي ديسمبر/كانون الأول، خططنا للوصول إلى 1.1 مليون شخص بمواد غذائية تكفي لمدة 10 أيام فقط، وتشمل المعلبات ومعجون الطماطم والزيت ودقيق القمح.
شمال غزة المحاصر هو المكان الأكثر معاناة من الجوع. فخلال الشهرين الماضيين، لم يتم السماح بدخول أي إمدادات تقريباً.
وقال خباز يدعى غطاس حاكورة يعمل في مخبز تجاري مدعوم من برنامج الأغذية العالمي في مدينة غزة، شمال القطاع "الخبز هو أهم طعام للناس حالياً، لأنه رخيص جدًا". الرجال والنساء كانوا يصطفون لتلقي أرغفة الخبز، التي تكلف ثلاثة شواكل أو أقل من دولار أمريكي واحد لكل لفة خبز، في صفوف منفصلة ومُسيطر عليها بشدة.
وأضاف حاكورة: "الناس جائعون وغاضبون."... "لقد فقدوا منازلهم، ووظائفهم، وعائلاتهم. ولا يوجد لحم، ولا خضروات – وإذا كانت هناك خضروات، فهي غالية الثمن".
كيس دقيق قمح بوزن 25 كيلوغرامًا قد يُباع مقابل 150 دولارًا أمريكيًا. في قطاع كان المزارعين يزرعون الموالح والخضروات والفراولة، وقد رأيت فلفلًا صغيرًا يُباع في سوق مدينة غزة بسعر 195 دولارًا أمريكيًا للكيلوغرام. لم يكن أحد يشتري. لم يكن بإمكان أحد تحمل تكلفته.
إبراهيم البلوي، الذي كان يحتضن ابنته الصغيرة، أخبرني أنها لم تتذوق طعم الحليب في حياتها. لم تعرف شيئًا سوى الحرب.
هذ
هذا هو القلق الذي يعاني منه الكثير من الآباء في غزة، المكان الذي تسمع فيه صوت الطائرات بدون طيار والانفجارات على مدار الساعة، قادمة من الجو، والبر، والبحر.
"وقالت هند حسونة، وهي أم لأربعة أطفال، بعد توزيع الطعام في خان يونس: "أريد أن يكون مستقبل أطفالي مثل أي طفل آخر يعيش في أي بلد عربي...أن يعيشوا حياة كريمة، ويرتدوا ملابس لائقة، ويتناولوا طعامًا جيدًا ويعيشوا حياة كريمة. الأهم هو أن يتحرروا من الخوف – تمامًا مثل أي طفل في أي بلد عربي".
كفاح من أجل البقاء
اليوم، أطفال هند يمشون 1.5 كيلومتر كل يوم للحصول على الماء. بينما كانت تتحدث في خيمتها – التي يمكن أن تسقط بسهولة بفعل الرياح أو تغمرها أمطار الشتاء – كان أطفالها يتناولون حصصهم الصغيرة من أرز برنامج الأغذية العالمي. ربما كانت هذه هي وجبتهم الوحيدة في اليوم. كان صبي صغير يمسح طبقه ببطء ليتأكد أنه أكل كل حبة أرز به، بابتسامة صغيرة مرتسمة على وجهه.
الأطفال يعانون أكثر من غيرهم في الحرب. أثناء رحلتنا إلى توزيع الطعام في خان يونس، رأيت حصانًا ميتًا وسط الأنقاض. وبالقرب منه، كانت هناك فتاة صغيرة تبحث في القمامة عن طعام.
لاحقًا، أثناء القيادة إلى مدينة غزة في مركبتنا المدرعة، على طول ممر نتساريم العسكري الفاصل بين شمال قطاع غزة وجنوبه، رأينا جثثًا متناثرة على اليمين واليسار، تتحلل تحت الشمس. بعد بضع مئات من الأمتار، رأينا مجموعة صغيرة من النساء والأطفال يتجهون في ذلك الاتجاه، حاملين أغراضهم. كانوا يبدون مرهقين ومتعبين.
كيف ستؤثر مثل هذه التجارب على أطفال غزة عندما يكبرون؟ ماذا سيحدث لجيلهم؟
وسط الدمار، يتشبث أهل غزة بأي شيء يذكرهم بالحياة الطبيعية. في خان يونس، حفر أبو بلال أرض منزله المدمر، واستخدم الأنقاض لإعادة بناء الجدران. استخدم ألواحًا إسمنتية من مبنى متعدد الطوابق كان قد دُمر لتشكيل ملجأ مؤقت. أراني مكانه، الذي يضم مرحاضًا بسيطًا وحوضًا بلاستيكيًا مؤقتًا.
"خطير"، هذا ما قاله عن مأواه، الذي يمكن أن ينهار بسهولة أثناء عاصفة أو غارة جوية.
في حي كان مكتظًا بالسكان، أرانا نبيل عزب أيضًا ما تبقى من منزله. كان يعمل كسائق سيارة أجرة سابقًا، وأشار إلى هيكل مشوه للسيارة التي كانت مصدر رزقه. مثل العديد من العائلات في غزة، تم تهجير عائلته عدة مرات، وانتقلت من مخيمات إلى أخرى.
عندما ضربت غارة جوية خيمتهم في مدينة رفح الجنوبية – ما أدى إلى إصابته وأفراد أسرته الآخرين – كان ذلك كافيًا. أزالوا أيضًا الحطام من منزلهم المدمر جزئيًا في خان يونس وعادوا للعيش فيه. مبناهم المكون من أربعة طوابق هو من بين القلائل التي لا تزال قائمة في المنطقة، ويميل بشكل خطير فوق تلة رملية. وتزرع الأسرة في أرضه الخس والخضروات الأخرى للمساعدة في البقاء على قيد الحياة. لكن هذا ليس كافيًا.
وقال عزب: "أنظر إلى ابنتي الصغيرة وهي تبكي طالبة الطعام وأشعر بالعجز...لا أستطيع فعل أي شيء من أجلها. لا شيء على الإطلاق".