Skip to main content

يوميات من غزة: "لا وقت للحداد على أي شخص أو أي شيء"

ثلاثة أسابيع من القصف شبه المستمر في غزة تركت جميع السكان في ظروف يائسة وكارثية. يحاول برنامج الأغذية العالمي جاهداً توفير المساعدات الغذائية إلى أكثر من مليون شخص يعانون من نفاد المياه والغذاء. إحدى موظفات البرنامج تصف الرعب الذي تعيشه والألم والحزن لفقدان سبعة من أفراد أسرتها، وكثير من الأصدقاء وزملاء الدراسة، تتحدث عن أحلامها بمستقبل أفضل، ولماذا يجب أن تستمر في العمل في ظل كل ذلك.
, برنامج الأغذية العالمي

الثلاثاء 24 أكتوبر/تشرين الأول 

A boy picks his way through a destroyed neighbourhood in Gaza. Photo: WFP
صبي يشق طريقه عبر أحد الأحياء المدمرة في غزة. الصورة: مكتبة الصور التابعة لبرنامج الأغذية العالمي

إنه اليوم الثامن عشر من هذه الحرب الوحشية التي حرمتنا الحياة التي نحبها. كنت أود لو قلت إنني وعائلتي قد نجونا حتى الآن، ولكن هل حقا نجونا بعد مقتل كل هذا العدد من أحبائنا؟ 

أشعر كما لو كانت الأيام الثمانية عشر الماضية ثمانية عشر عامًا. لقد تحطمت أحلامنا وتقلصت طموحاتنا في مجرد الحصول على مياه للشرب وبعض الطعام. نشعر بقمة الرفاهية الان عندما ننجح في الحصول على مياه نظيفة للشرب. 

كنت دوما أسأل نفسي يستطيع الأشخاص الذين يتلقون مساعدات برنامج الأغذية العالمي البقاء على قيد الحياة مع الإمدادات القليلة المتوفرة لديهم. الآن أعرف ذلك بشكل مباشر. برغم ذلك أعتقد أنه لا توجد آلية للتكيف يمكن أن تساعد حتى أوسع الأشخاص حيلة في أيام كهذه. 

لقد نجونا الليلة الماضية. الليالي هي الأكثر رعبًا. ننام في نفس المكان حتى نلقى نفس المصير. 

تلتهم الحرب كل ما نعرفه: الناس والبيوت والأحلام بمستقبل أفضل. صوت القنابل التي تتساقط فوق المدينة دون توقف وتخطيء رؤوسنا بالحظ – يثقب في رأسي، ويحرمني من النوم ومن آخر قطرة من سلامة العقل أستمسك بها. 

A little boy in Gaza with all-to-scarce bread. WFP-supported bakeries are running out of flour and fuel. Photo: WFP/Ali Jadallah
طفل صغير في غزة ومعه خبز . المخابز التي يدعمها برنامج الأغذية العالمي تنفد من الدقيق والوقود. الصورة: برنامج الأغذية العالمي/علي جاد الله

لقد فقدت بالفعل سبعة من أفراد عائلتي، بعض أصدقائي، تهدمت جامعتي وأماكن عديدة كنت أحبها. بينما أعدد كل ما خسرته، تمنيت لو لم تخلق الأعداد. ليس هناك وقت للحداد على أي شخص أو أي شيء، وبالكاد ما يكفي من الوقت للاطمئنان على الناجين. 

في الأيام الخمسة الماضية، انقطعت اتصالي بالعالم بعد أن دمرت الغارات الجوية الحي الذي كنا نعيش فيه. انهارت كل البنية التحتية. وبدلاً من رائحة أوراق العنب المعتادة، نشم رائحة الموت. 

الخميس 26 أكتوبر 

برنامج الأغذية العالمي حيث أعمل، تبنى مهمة مكافحة الجوع في العالم. والحق يقال، لدينا فريق بارع هنا... 

عندما بدأت الحرب، اضطر بعض الناس إلى الإخلاء بعد أن قصفت الغارات الجوية منازلهم. قررنا المساعدة بأطعمة جاهزة للأكل وخبز طازج. قمنا بتزويد العشرات من المخابز بدقيق القمح لتبقى مفتوحة وتستمر في العمل. 

خلال الأسبوع الأول من الصراع، طُلب من فريقنا مغادرة منازلنا والانتقال إلى أماكن "أكثر أمانًا". فقد أربعة زملاء منازلهم وكل ما يملكون. 

ماذا فعلنا؟ واصلنا العمل.  

A woman in Gaza receives WFP food and other humanitarian assistance. Only a fraction of what's needed is trickling in due to border constraints. Photo: WFP
امرأة في غزة تتلقى مساعدات غذائية وإنسانية أخرى من برنامج الأغذية العالمي. ولا يتدفق سوى جزء صغير مما هو مطلوب بسبب القيود الحدودية. الصورة: مكتبة الصور التابعة لبرنامج الأغذية العالمي

بعد أيام قليلة، تم قصف المخابز، وبات الطعام شحيحًا، وأصبح العمل على الأرض مستحيلًا، ومع ذلك استمر الجميع في العمل. المزيد من الدعم عن بُعد جاء بكل الأشكال من زملائي في برنامج الأغذية العالمي، من القدس والضفة الغربية والقاهرة. 

بعد يومين فقط من إخلاء منازلنا، فقدنا طاقتنا. وبعد مرور يومين، لم يكن لدى فريقنا ماء. ثم فقدنا اتصالنا بالإنترنت ومعه أي صلة بالعالم الخارجي، بدأنا نشعر بإحساس بشع بالانفصال عن العالم والأشخاص الذين نحبهم والأشخاص الذين نخدمهم. وبينما نحاول ضمان حصول الجوعى والمتضررين من النزاع على الغذاء، نحن أنفسنا بالكاد لدينا ما نأكله. 

Workers unload WFP food and other humanitarian relief at a school serving as an emergency shelter for thousands of displaced people in Gaza. The supplies are only a fraction of what's needed. Photo: WFP
عمال يفرغون المواد الغذائية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي وغيرها من مواد الإغاثة الإنسانية في مدرسة تعمل كملجأ طارئ لآلاف النازحين في غزة. الإمدادات ليست سوى جزء صغير مما هو مطلوب. الصورة: مكتبة الصور التابعة لبرنامج الأغذية العالمي

قبل الحرب، كان برنامج الأغذية العالمي قد أفاد أن أكثر من مليون فلسطيني في غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي. واليوم، نعاني نحن...وعائلاتنا...وغزة بأكملها من انعدام الأمن الغذائي. 

أتمنى لو كان نقص الطعام والماء هو كل ما يدعو للقلق. أتمنى لو لم نكن مضطرين للقلق على عائلاتنا وأصدقائنا وأحبائنا، وعلى بقائنا أنفسنا على قيد الحياة. 

أتمنى لو أعود إلى دردشات المكتب المملة. أتمنى لو أعود إلى استراحات القهوة الصباحية. أتمنى لو لم نضطر إلى الحداد أبدًا. 

الأحد 29 أكتوبر 

أصعد إلى سطح البناية وأنظر حولي لأحاول أن أخمن أين يمكن أن تسقط عشرات الغارات الجوية التي تومض في السماء. أقوم بإعداد قائمة ذهنية بأماكن وجود أصدقائي، بناءً على آخر تواصل بيننا. البعض في الشمال والبعض الآخر في الجنوب، وأنا وسط بحر من القلق والألم. 

Airstrikes light up the night sky over Gaza. Photo: WFP/Ali Jadallah
الغارات الجوية تضيء سماء غزة ليلاً. الصورة: برنامج الأغذية العالمي/علي جاد الله

غارة جوية واحدة في الشمال. اثنتين...ثلاثة…عشرة! صوتهم يصبح أعلى وأقرب. أفقد القدرة على العد. أمشي إلى الجانب الآخر من السطح لأنظر نحو جنوب قطاع (غزة) الذي تم تحديده كمنطقة آمنة. تنزل قنبلة واحدة. اثنتين. تتلون السماء بالنيران الحمراء. ثلاثة...خمسة... ألسنة اللهب تلتهم سماء الله. ثمانية. 

أخي يحثني على النزول. أصبحت الغارات الآن قريبة جدًا لدرجة أن البارود يحجب بصري. 

بعد هذه الليلة، أعرف أنني قد أحصي من القتلى من أفراد عائلتي وأصدقائي ما لا تكفيه أصابع يدي الاثنتين. 

أجلس على حافة سرير والديّ وأتساءل عما إذا كان قلبي يسع كل هذا العذاب الذي تدفعه الحياة في طريقي. في طريقنا. 

Children celebrate the arrival of a UN truck at an emergency shelter in Gaza. Photo: WFP
أطفال يحتفلون بوصول شاحنة تابعة للأمم المتحدة إلى ملجأ للطوارئ في غزة. الصورة: مكتبة الصور التابعة لبرنامج الأغذية العالمي

لقد دربت هذا القلب على أن يكبر ليسع الحب والعطف والأمل عندما يأتون معًا ويطرقون بابه بحثًا عن سكن رحب. لا أعرف أي حجرة من غرف قلبي تناسب ضيفًا ثقيلًا وفاقعًا كالحزن. 

قرأت مرة أن الحزن إن رأى بابه مُوارباً دخل وظَلّ معك ولازمك. كما ترى، يصبح ضيفًا دائمًا معتادًا على أيامك، مثل الخبز والزبد. ستكون هناك أيام تسير فيها نحوه، وأيام أخرى ستتجاهل أنه جالس هناك على الطاولة. بغض النظر عن كيفية التعامل معه، فهو موجود. 

اليوم، سمحت له بالدخول: "مرحبًا! خذ راحتك". أشعر بأن قلبي أثقل من المعتاد. أشعر بأن على كتفي حمل جبال. إنه ضيفًأ ثقيلًأ حقًا. لكن سيذكرني هذا الوزن دائمًا بالأشخاص الذين نحبهم. أولئك الذين فقدناهم، أولئك الذين أحبوا الحياة وعاشوها كأنها أبدية. 

لسنا آمنين، ولسنا بخير. 

وصلت المساعدات الغذائية والنقدية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي إلى أكثر من 630,000  شخص في غزة والضفة الغربية حتى الآن. ومع ذلك، فإننا بحاجة إلى المزيد من السماح بإيصال المساعدات، حيث يلزم دخول ما لا يقل عن 40 شاحنة من الإمدادات الغذائية إلى غزة يوميًا للإيفاء بالمتطلبات. اقرأ المزيد هنا عن استجابتنا لحالات الطوارئ. 

اقرأ المزيد هنا عن استجابتنا لحالة الطوارئ
 برنامج الأغذية العالمي يبحث عن شركاء لدعم عمليات الطوارئ الخاصة به. لو كانت شركتك أو منظمتك ترغب في المساعدة لإنقاذ حياة الناس في غزة، تواصل معنا الآن

الآن هو الوقت المناسب
لاتخاذ خطوة

يعتمد برنامج الأغذية العالمي على المساهمات الطوعية بالكامل لذا فإن لكل تبرع قيمته
تبرّع الآن