التعليم في سوريا: المساعدات النقدية من برنامج الأغذية العالمي تحقق حلم صبي في الدراسة
في أحد أيام الشتاء الممطرة، كان عيسى، الطفل البالغ من العمر 12 عامًا يسير إلى مدرسته في حماة، بسوريا، مرتديًا زوجًا من الأحذية الرياضية القديمة، وسُترة قطنية خفيفة. وكان هذا هو كل ما يملكه من ثياب تحميه من الطقس، وبالرغم من ذلك، فإنه حتى في أشد الأيام برودة، كان يستحيل أن يمنعه أي شيء من الذهاب إلى المدرسة والبقاء في المنزل.
واليوم، كان عيسى مستيقظًا بالفعل قبل طلوع الفجر، حيث كان ينبغي عليه أن يصطف في أحد المخابز المحلية للحصول على الخبز الطازج من أجل أسرته. حينما عاد إلى منزله غارقًا بمياه الأمطار، قضى حوالي 30 دقيقة محاولًا إشعال الموقد بالأغطية البلاستيكية، وبوقود من الخشب. يقوم عيسى بجمع هذه المواد خلال الجولات الشاقة مع والده للبحث عن هذه المواد لمنح بعض الدفء لأشقائه الثلاث الصغار.
يقول خليل، والد عيسى: "كم هو شخص عطوف"، "فبالرغم من صِغر سنه، إلا أنه يضطلع بالعديد من المسؤوليات لمساعدتنا".
واليوم، يدرس عيسى في المَدرسة الرياضة واللغة العربية؛ فهما المادتان المُفضلتَّان لديه. ويقول عيسى: "أحلم بأن أصبح محاميًا للدفاع عن المظلومين". "الدراسة عندما أكون مع زملائي وأتفاعل مع المُدرسين تجعلني سعيدًا للغاية".
عيسى يعشق المدرسة إلا أن الوصول إلى الفصول الدراسية أصبح تحديًا كبيرًا. ولد عيسى في منطقة الرَقة الريفية قبل عام واحد فحسب من اندلاع الصراع في أنحاء المدينة منذ 11 عامًا مضت، لم تكن طفولة عيسى مثلما تخيل والداه. وأثناء ترعرع عيسى، تغيرت سوريا كذلك. فأصبح منزله واحدًا من أخطر المنازل في البلد بالنسبة لعائلة لديها أطفال صغار. وحينما بلغ عيسى الخامسة من عمره، اتخذ والداه قرارًا مُحالًا: فقد آن أوان الرحيل.
كان عيسى قد بدأ للتو في المدرسة، حيث استغرق الأمر ثلاثة أعوام قبل أن يجلس داخل أحد الفصول الدراسية مرة أخرى. وبينما جرى تهجيرهم، فقد دُمر منزل الأسرة ومتعلقاتها. وبالنسبة لعيسى، فإن الابتعاد عن المدرسة كان واحدًا من أصعب الأمور.
يقول عيسى: "لأيامٍ وليالي طويلة، لم أفعل أي شيء ذا قيمة: فرؤية غيري من الأطفال وهم ذاهبين إلى المدرسة حينما كنت لا أتمكن من القيام بذلك كان يجعلني أشعر بالأسى". "لقد كنت أطلب من والداي إلحاقي بالمدرسة، وكانا يُخبراني بأنهما يحتاجان إلى الاستقرار أولًا، حيث كنا لا نزال ننتقل من مكان لآخر".
كما أن الصراع الطويل والاقتصاد المتدهور في سوريا يعني أن العديد من الطلاب النازحين لن يعودوا مطلقًا إلى الفصول الدراسية. فالتعليم يُعد من النفقات التي تتجاوز ما هو في متناول الأُسر التي أنفقت مدخراتها على التنقل على مدى أعوام. وعلى الرغم من أن المدارس في سوريا مجانية، إلا أن تكلفة الانتقال يمكن أن تمنع الأطفال من الحضور إلى الفصول الدراسية.
'الدخل الذي أكسبه يمكن بالكاد أن يغطي تكاليف غذاؤنا وفواتيرنا والبنزين الذي أحتاج إليه للذهاب إلى العمل'
فبالنسبة لشباب سوريا، كانت التبعات وخيمة. فالأطفال الذين كانوا يحلمون بأن يصبحوا مُعلمين ومهندسين يلازمون المنزل الآن، والأسوأ، أنهم ذهبوا للبحث عن عمل لمساعدة أسرهم في النجاة. ومن غير المُرجح أنهم سيعودون مرة أخرى للمدارس حيث إن ارتفاع تكلفة العيش في جميع أرجاء سوريا أصبح غير مسبوق.
إيجاد الأمان والمدرسة والبداية الجديدة
في عام 2019، وجد عيسى أخيرًا الأمان في شقة مؤلفة من غرفة واحدة في قرية هادئة في محافظة حماة. كان عيسى مبتهجًا للغاية للعودة إلى المدرسة، إلا أن ذلك أيضًا يعني عبئًا ماليًا زائدًا على الأسرة المُنهكة بالفعل.
وجد خليل، والد عيسى عملًا في أحد مصانع القرميد. ولتلبية الاحتياجات، كان يضطر أحيانًا للوقوع في براثن الدين لشراء الأساسيات. يقول خليل: "لا أستطيع أن أشتري لأولادي كل ما يحتاجون إليه من أجل الملبس أو المدرسة، لأن الدخل الذي أكسبه يمكن أن يغطي بالكاد غذاءنا وفواتيرنا والبنزين الذي أحتاج إليه للذهاب إلى العمل"، "فنحن نحرم أنفسنا من أشياء كثيرة لإبقاء أبنائنا في المدرسة".
وبينما كان والدا عيسى يكافحان لإعادة بناء حياتهم، ولإضفاء شعور بانتظام حياة صغارهم، لا سيما عبر إرسالهم إلى المدرسة، اكتشفت الأسرة أنها تلقت قسيمة إلكترونية من برنامج الأغذية العالمي. وتوفر القسيمة مبلغا نقديا شهريًا، ومن ثَم يمكن للأسر شراء الأطعمة المغذية، ومستلزمات النظافة الصحية من المتاجر القريبة من منازلهم.
يُعد هذا جزءًا من مشروع الأطفال غير الملتحقين بالمدارس التابع لبرنامج الأغذية العالمي (OOSC) الذي يهدف إلى مساعدة العائلات المهمشة، وذلك لتلبية احتياجاتهم الغذائية. تُمنح القسائم لعائلات الطلاب الذين انقطعوا عن الدراسة بسبب الصراع، والذين يحضرون الآن برنامج التعلم السريع الذي يُطلق عليه "Curriculum B" الذي يساعدهم على تعويض سنوات الدراسة التي فاتتهم.
تُعد القسيمة حافزًا للعائلات للاستمرار في إرسال أبنائهم إلى الفصول الدراسية حيث إنها ترفع عنهم بعض من أعبائهم المالية.
وحالما تسلمت عائلة عيسى البطاقة، بدأت بعض الأعباء المالية للأسرة في التخفف.
صرَحت حنان والدة عيسى أثناء تقديمها لوجبة خفيفة لولدها أثناء مراجعته لدروسه، بقولها: "لقد كنا سعداء للغاية بتسلم القسيمة، وقد كنا في أمس الحاجة إليها كدعم لاحتياجاتنا الغذائية". وأضاف خليل بقوله: "أيًا كان ما تدخره هذه القسيمة من مكاسبي، فإنه يُوجه إلى غيرها من الضروريات مثل الأدوات المكتبية المدرسية ومستلزمات العناية بالنظافة الصحية".
" فنحن نستخدم هذه القسيمة للحصول على أي شيء نحتاج إليه مثل السمن وزيت الطهي والأرز وغيرها من الأشياء. فحينما يُضاف المبلغ النقدي إلى القسيمة، فإننا نحصل على ما يلزم أفراد الأُسرة".
بعد أعوام من الاضطراب، تتطلع العائلة نحو مستقبل يحدوه الأمل.
فعيسى الآن في الصف الثالث، وهو واحد من الطلاب المتفوقين في فصله. يُردف بقوله: "أفضل اللحظات التي أمُر بها هي عندما أفعل شيئًا جيدًا، ويقوم مُعلميني وزملائي بالإطراء عليّ".
تقول والدته حنان: "نظرًا لعودة أبنائنا إلى المدرسة واستعادتهم لتعليمهم، فقد استعدت أنا وزوجي راحة بالنا". "فقد مر أبنائي بكثير من المعاناة مرة أخرى حينما أُغلقت المدارس. فتعليم الأبناء أمر جوهري بالنسبة لنا".
وبالنسبة لحنان، يُعد ذلك أيضًا فرصة لمنح أبنائها فرصًا لم تكن تُمنح لها مطلقًا. "أنا لا أستطيع القراءة أو الكتابة لأن التعليم فاتني، لذا، فإنني أريد من أولادي التركيز على تعليمهم وجعله على رأس أولوياتهم".
يستفيد شهريًا من التحويلات النقدية لبرنامج الأغذية العالمي في سوريا ما يزيد عن 32،000 أُسرة من أصحاب الأطفال المعرضين لخطر التسرب من المدرسة. فالقسيمة تحمي الأطفال من آلية التكيف السلبية مثل عمالة الأطفال، كما توفر شبكة أمان للعائلات حيث ترفع عنهم جزءًا من أعبائهم المالية.