مع تفشي المجاعة في غزة، تلجأ العائلات إلى تدابير يائسة للبقاء على قيد الحياة

الصورة: برنامج الأغذية العالمي/ علي جاد الله
تحتضن هداية صغيرها محمد، ابن الثمانية عشر شهرًا، وتتذكر أنه كان يومًا طفلًا مليئًا بالحياة عندما كان الغذاء متوفرًا – رغم إصابته بالضمور العضلي، وهو ضعف جيني نادر. لكن الجوع لم يرحمه، واليوم أصبح جسده هيكلًا عظميًا صغيرًا.
تقول هداية، بينما يبكي طفلها بصوت خافت: "يحتاج إلى الحليب والحفاضات وأطعمة علاجية، لكننا لا نستطيع توفيرها." (من أجل سلامتهم، ي يتم استخدام الأسماء الأولى فقط للمقابلات من غزة في هذا التقرير)
تعكس معاناة هداية في البحث عن الطعام الوضع في جميع أنحاء غزة، حيث سيواجه 641,000 شخص جوعًا كارثيًا بحلول نهاية سبتمبر، وفقًا للأرقام الصادرة اليوم (22 أغسطس).
كد التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، وهو المعيار العالمي لقياس انعدام الأمن الغذائي، وجود مجاعة في المحافظة، ورفع تصنيفه إلى المرحلة الخامسة، وهي الأعلى في مقياسه، حيث يواجه الناس "ظروفًا كارثية تتسم بالجوع الشديد والفقر المدقع والموت."
كما سيكون 1.14 مليون شخص إضافي في حالة طوارئ (المرحلة الرابعة) و396 ألفًا في حالة أزمة (المرحلة الثالثة).

كما توقع التقرير أن تمتد المجاعة جنوبًا لتصل إلى محافظتي دير البلح وخان يونس بحلول نهاية سبتمبر. وفي ظل القيود على الوصول، فإن البيانات المتوفرة عن محافظة شمال غزة محدودة، حيث "تُقدَّر الأوضاع بأنها بنفس السوء – أو أسوأ – مما هي عليه في محافظة غزة."
قالت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، سيندي ماكين: "كانت تحذيرات المجاعة واضحة منذ شهور. ما نحتاجه الآن بشكل عاجل هو زيادة المساعدات، وتحسين ظروف السلامة، ونظم توزيع فعالة للوصول إلى المحتاجين أينما كانوا. الوصول الإنساني الكامل ووقف إطلاق النار الآن أمران حاسمان لإنقاذ الأرواح."

النتائج التي توصل إليها IPC تمثل أول مرة يتم فيها تأكيد وجود مجاعة في قطاع غزة. وتأتي بعد أربعة تحذيرات سابقة من IPC منذ نوفمبر 2023، سلطت الضوء على خطر المجاعة. كما تأتي بعد أسابيع فقط من تأكيد الهيئة المختصة تجاوز اثنين من ثلاثة مؤشرات للمجاعة – انخفاض استهلاك الغذاء وارتفاع سوء التغذية الحاد.
تغذي الأزمة الصراع المستمر، وانهيار الخدمات الأساسية والأسواق والإنتاج الغذائي المحلي، والقيود المفروضة على إيصال وتوزيع المساعدات من برنامج الأغذية العالمي وغيره من الوكالات. ولم تُعلن المجاعة رسميًا سوى ثلاث مجاعات خلال الـ15 عامًا الماضية، بما في ذلك في السودان، والتي لا تزال مستمرة.
استئناف توزيع المساعدات أمر أساسي
وتساءل أنطوان رينار، المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي في فلسطين: "إذا كنتَ مسنًا، أو طفلًا دون سن الخامسة، أو أرملة - فكيف يمكنكَ، في ظل الظروف الحالية، الحصول على الغذاء؟". هو وآخرون يدعون إلى إغراق غزة بالمساعدات لضمان وصولها إلى جميع سكان القطاع البالغ عددهم مليوني نسمة – وهي، كما يقولون، الطريقة الوحيدة لعكس مسار الجوع الكارثي.
وأضاف رينار: "ذا توفرت الإرادة السياسية، يمكن أن تنقلب الأمور من يوم إلى آخر. لا توجد مشاكل لوجستية، ولا نقص في القدرات، ولا نقص في التمويل. البضائع موجودة، جاهزة لخدمة السكان."

عاد رينار مؤخرًا من أسبوع قضاه في غزة، حيث تحدث إلى عائلات تكافح الجوع. وقال: "المهم هو إعادة تشغيل نظام التوزيع الذي يُمكّننا من إيصال الطعام إلى الفئات المستهدفة، وتشغيل المخابز". وأضاف: "وخاصة الوجبات الساخنة" - وهي نادرة الآن في غزة، حيث يفتقر الناس إلى الوقود اللازم للطهي..
منذ آخر تحليل لـ IPC في مايو، تضاعف عدد الأطفال المعرضين لخطر الموت بسبب سوء التغذية الحاد ثلاث مرات، من 14,100 إلى 43,400 بحلول نهاية يونيو 2026. وبالنسبة للنساء الحوامل والمرضعات، تضاعف العدد من 17,000 في مايو إلى 55,000 حالة متوقعة بحلول منتصف 2026. والأثر واضح: واحد من كل خمسة أطفال يولد مبتسرًا أو ناقص الوزن.

ليوم، أعيد فتح المعابر الحدودية بعد حصار كامل في وقت سابق من العام. لكن ظروف التشغيل داخل غزة صعبة للغاية.
اتدخل المساعدات إلى غزة، لكن لا شيء يصل إلى مستودعات برنامج الأغذية العالمي أو نقاط التوزيع التي يديرها شركاؤه. بشكل عام، كمية الغذاء التي تدخل القطاع الآن تلبي جزءًا بسيطًا من الاحتياجات الهائلة – ولا تصل إلى الأشخاص الأكثر ضعفًا.
يتدفق آلاف الأشخاص إلى المعابر الحدودية وينتظرون القوافل، على أمل الحصول على القليل من المساعدات التي تصل. بالنسبة للكثيرين، ينتهي هذا الجهد بالفشل.
قال رينار: "هناك مستوى عالٍ من العنف واليأس. الناس يندفعون نحو أي شاحنة، فقط للحصول على أي شيء يشبه الطعام."
"نشتهي كل شيء"
روى رينار قصة سيدة تُدعى سامية، انتظرت بقلق أخبار ابنها البالغ من العمر 14 عامًا، بعد أن اختفى لأيام في بحثه عن الطعام. قال رينار عن رحلات الصبي: "كان يعود ببعض دقيق القمح أو بعض المعلبات." وأضاف: "كان يقول لها، 'لن أذهب مرة أخرى، لأن الوضع عنيف جدًا'."

"وماذا يفعل في نهاية الأسبوع عندما ينفد الطعام؟" يضيف رينار: "يذهب مرة أخرى."
جلست أم أخرى، بسمة، مع عائلتها في خيمة ممزقة في مدينة غزة مكشوفة للسماء، ووصفت معاناة مماثلة. قالت: "خاطرنا بكل شيء فقط لنجد قليلًا من الطعام. وأضافت: "وعُدنا بلا شيء."
قالت بسمة إن عائلتها غالبًا ما تمر بأيام دون طعام. وهي تعاني من سوء تغذية شديد، ولا تستطيع إرضاع طفلها. يشرب الماء بدلًا من الحليب الصناعي؛ فهذا كل ما لديهم.

تحاول الأم الشابة زيادة كمية الطعام لأطفالها بإضافة الماء إلى كمية العدس القليلة لديهم. ومع ندرة المياه النظيفة، تلجأ عائلتها لاستخدام مياه البحر ععبر طريق رملي للغسيل والاستحمام.
تقول بسمة: "نشتهي الخضروات، الفواكه – نشتهي كل شيء"، مضيفة أن أطفالها يصابون بالدوار من قلة الطعام.
وأضافت: "إذا استمر هذا الوضع، قد يموت أحدنا من الجوع." ثم قالت: "لا قدر الله، لكن هذا ليس بعيدًا عن الحدوث."