بالغذاء والتعليم والزراعة: هكذا تستقبل جمهورية أفريقيا الوسطى اللاجئين السودانيين

تنتظر فردوس البالغة من العمر 50 عاماً، والتي ترتدي حجاباً أزرق اللون وفستاناً باللون البصلي، بكل صبر بينما يقوم العمال بملء أجولة كبيرة بالأرز والبازلاء الصفراء، قبل أن تتسلم علباً كبيرة من الزيت النباتي المدعم. وهذه الحصص الغذائية من برنامج الأغذية العالمي، التي وزعت صباح أحد الأيام مؤخراً في بلدة بيراو بجمهورية أفريقيا الوسطى، تكفي لإطعام أسرتها المكونة من خمسة أفراد لمدة شهر كامل.
وتمثل هذه المساعدة أول ما تتلقاه الأسرة منذ عبورها الحدود إلى هذه المنطقة النائية شمال شرق جمهورية أفريقيا الوسط. وهي أيضاً الغذاء الوحيد الذي يمكنهم الاعتماد عليه في المستقبل.
وتقول فردوس، التي فرت عائلتها من قريتها المدمرة بسبب الحرب في إقليم دارفور الجنوبي بالسودان أوائل هذا العام ومعها بعض البطانيات والملابس فقط: "أحتاج هذا الطعام لأحفادي، ولمساعدتي على الاستقرار هنا".

تعد فردوس - التي حذف اسم عائلتها لحمايتها- واحدة من عشرات الآلاف من الأشخاص الذين توافدوا على جمهورية أفريقيا الوسطى من السودان المجاور خلال العام الماضي. ومن بين أكثر من 43,000 لاجئ سوداني وعائد إلى أفريقيا الوسطى يلتمسون المأوى هنا، عبر 90% منهم الحدود منذ عام 2024. وقد استقر الكثيرون منهم في بيراو.
يصل هؤلاء اللاجئون إلى بلد يعاني من إرثه الخاص من الجوع والعنف والنزوح. فقد نزح الملايين بسبب عقود من الصراع المسلح والاضطرابات الأخرى في جمهورية أفريقيا الوسطى. ويعاني واحد من كل ثلاثة مواطنين في أفريقيا الوسطى من الجوع الحاد، بينما يعاني أربعة من كل عشرة أطفال من التقزم بسبب سوء التغذية.
ويقول راسموس إيغيندال، المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي في جمهورية أفريقيا الوسطى: "فتحت أفريقيا الوسطى أبوابها للاجئين السودانيين. ويكافح برنامج الأغذية العالمي للحفاظ على الدعم المنقذ للحياة لهم وللسكان المحليين الضعفاء. نحن بحاجة ماسة إلى أن يضاهي المانحون كرم جمهورية أفريقيا الوسطى".

يقول العديد من الوافدين الجدد إنهم لاقوا ترحيباً من سكان بيراو. فقد تم تسجيل الأطفال السودانيين في المدارس المحلية، ويتعلم بعضهم اللغة الفرنسية، إحدى اللغات الرسمية للبلاد.
يقول رجل الأعمال السوداني طارق، الذي يرأس جمعية التجار السودانيين المحليين في بيراو: "نتحدث لغة المجتمع المضيف نفسها، ولدينا التقاليد نفسها." ويضيف أن مجتمعات جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان لها روابط وتقاليد قوية عبر الحدود، قائلاً: "إنه نموذج للتعايش الي يتم على نحو جيد".
منزل جديد
على أطراف منطقة بيراو، نشأ حي مترامي الأطراف يسمى كورسي، يسكنه المنفيون السودانيون. وتتداخل الممرات المتسخة فيما بين متاهة من الخيام البيضاء والأكشاك الخشبية المهترئة التي تبيع الطعام والبضائع الأخرى. وتجد الأوشحة وبعض الملابس الملونة معلقة لتجف. الغالبية العظمى من الوافدين الجدد من النساء والأطفال.
تقول خديجة، التي وصلت إلى بيراو من مدينة نيالا السودانية قبل عامين، بعد اندلاع الحرب في السودان بقليل: "لم أعد أسمع صوت إطلاق النار. بالنسبة لنا، هذا يعني الهدوء".

مثل العديد من اللاجئين هنا، تتوق خديجة إلى العودة إلى ديارها في النهاية. في الوقت الحالي، بدأت مشروعاً صغيراً لبيع الحرف اليدوية التي تعلمت صنعها بدعم من برنامج الأغذية العالمي. بينما يتجمع الأطفال حولها في منزلهم الصغير، تظهر لزائر كيف تصنع سلالاً ملونة من مواد معاد تدويرها.
تقول خديجة، التي لديها تسعة أطفال وأحفاد معها في بيراو: "حرفتي تساعدني على البقاء على قيد الحياة. المساعدة التي أحصل عليها من برنامج الأغذية العالمي تكمل دخلي وتسمح لي بإطعام أطفالي".
يدعم برنامج الأغذية العالمي أيضاً اللاجئين مثل خديجة والعائدين من أبناء جمهورية أفريقيا الوسطى بمكملات غذائية متخصصة للنساء والأطفال الصغار الذين يعانون من سوء التغذية، ووجبات مدرسية في المدارس المحلية، التي رحبت بالأطفال السودانيين.
يقول إيغيندال المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي في أفريقيا الوسطى: "لا تقدم مساعدات البرنامج الغذاء الذي يحتاجه الناس للبقاء على قيد الحياة اليوم فحسب، بل أيضاً تقدم لهم الأمل في الوقوف على أقدامهم مرة أخرى على المدى الطويل".

كما تمنح السلطات في جمهورية أفريقيا الوسطى اللاجئين قطعاً صغيرة من الأرض للزراعة، حيث يزود برنامج الأغذية العالمي وشريكتنا في الأمم المتحدة، منظمة الأغذية والزراعة، البذور وأدوات الزراعة.
تقول حليمة البالغة من العمر 48 عاماً، التي تريد زراعة الطماطم والبامية والخس والبصل في قطعة أرضها: "أزلت الأعشاب وقطعت الأشجار بالمناجل". مثل خديجة، جاءت حليمة من نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور السودانية. فرت حليمة مع تسعة أطفال وأحفادها العام الماضي، بينما كانت القنابل والصواريخ تمطر المدينة. ولكن توفي زوجها بعد وقت قصير من وصول العائلة إلى بيراو.
تقول حليمة، التي تتحمل مسؤولية إطعام أسرتها الكبيرة: "بدون الأرض، سأجلس هنا، مكتوفة الأيدي، لا أعرف ماذا أفعل". غادر العديد من أطفالها التسعة بيراو بحثاً عن عمل. بينما يعتمد الآخرون تماماً على مساعدات برنامج الأغذية العالمي للعيش.
تقول حليمة: "هناك العديد من الصعوبات".

تأمل الجدة فردوس أيضاً في الحصول على قطعة أرض. فقد كانت كانت تزرع الفول السوداني والدخن في قريتها السودانية أبوري، حتى وصلت الحرب إلى هناك، مما أسفر عن مقتل زوجها وابنتها. قامت هي وعدة أحفاد برحلة استغرقت يومين إلى جمهورية أفريقيا الوسطى سيراً على الأقدام وبالسيارة.
الآن، عليهم أن يبدأوا من جديد.
تقول فردوس: "أود أن أعاود الزراعة، وآمل أن يتمكن أحفادي من الذهاب إلى المدرسة في المدينة".
أصبحت استجابة برنامج الأغذية العالمي للاجئين السودانيين في جمهورية أفريقيا الوسطى ممكنة بفضل الدعم السخي من الولايات المتحدة الأمريكية.