كأس الأمم الأفريقية: الكونغو الديمقراطية تسعى لتحقيق أحلامها في كرة القدم بينما يؤجج الصراع وتغير المناخ الجوع
تعد جمهورية الكونغو الديمقراطية، إلى جانب أفغانستان واليمن وسوريا، من بين أكبر حالات الطوارئ لبرنامج الأغذية العالمي، فهي تعاني منذ عقود من الصراع وتغير المناخ الذي لا يزال يحد من قدرة الناس على الوصول إلى معظم الأغذية الأساسية، مما يدفع الجوع إلى مستويات غير مسبوقة.
بينما يكافح برنامج الأغذية العالمي لمواجهة أزمة التمويل العالمية والاحتياجات الإنسانية المتزايدة، فإن القصص المروعة التي تتكشف في شرق الكونغو الديمقراطية - وليس أقلها العنف الجنسي - تطرح سؤالاً بسيطاً: كيف يمكن لمأساة على هذا النطاق أن تحظى بهذا القدر القليل من الاهتمام؟
لمعرفة المزيد عن التحديات التي تواجهها الكونغو الديمقراطية، تحدثنا إلى نائبة المدير القطري للبرنامج في كينشاسا ناتاشا نادازدين. مع توجه الأنظار نحو كأس الأمم الأفريقية، ربما تكون هذه لحظة للتفكير فيما يمكن تحقيقه لأطفال الكونغو الديمقراطية، وكذلك لجميع الأطفال في أفريقيا، وإن كان بإمكانهم الحصول على ما يحتاجونه من التغذية والتعليم والتدريب لخلق فرص متكافئة لهم سواء داخل الملعب أو خارجه.
صفي لنا الوضع في الكونغو الديمقراطية؟
الأمور سيئة للغاية، وتمثل تحدياً خطيراً وعلى نطاق واسع للغاية بالنسبة للناس، حتى إنه من المدهش أن مشاكل الكونغو الديمقراطية تبدو وكأنها سقطت من أجندة الأخبار العالمية تماماً؛ بل ان المأساة التي يعيشها الملايين في ظل تنافس العشرات من الجماعات المسلحة على ثروات البلد الطبيعية أصبحت تعتبر وضعًا طبيعيًا او قدرًا،
لقد أدى الصراع على السلطة – وهو غير مقصور على الداخل - إلى إغراق شرق البلاد على وجه الخصوص في دائرة شرسة من الصراع وانعدام الأمن. نزح أكثر من 6 ملايين شخص، وتركوا مراعيهم - بما في ذلك 720 ألف شخص فروا من منازلهم منذ أكتوبر/تشرين الأول مما أدى إلى تدمير سبل عيشهم. كما تواترت بشكل محبط التقارير التي تتحدث عن تعرض النساء والفتيات للاغتصاب، حيث يُعرض غياب القانون عشرات الآلاف للعنف القائم على أساس النوع.
أضف إلى ذلك "لعنة الموارد" في الكونغو الديمقراطية، فالطلب على المعادن مثل الكوبالت والذهب والنحاس مرتفع للغاية في جميع أنحاء العالم، ولكن هذا لا يعود بالنفع على أولئك الذين طردوا من منازلهم، حيث لا تصل الثروات إلى أفقر الناس.
هل يمكنك إعطاؤنا فكرة عن حجم الأزمة؟
يوجد أكثر من 25 مليون شخص - ربع سكان البلاد - في المستويين الثالث أو الرابع من التصنيف المرحلي للأمن الغذائي IPC، وهما مرحلتا "الأزمة" و"الطوارئ"، أي أنهم على بعد خطوة واحدة من المستوى الخامس والأخير وهو "المجاعة".
اجتمعت عقود من الصراع، وعشرات الجماعات المسلحة، وعدم الاستقرار السياسي ــ والقائمة تطول ــ مع تغير المناخ، ليصبح كل يوم بالنسبة للكونغوليين كفاحا من أجل البقاء.
يؤدي الجفاف والفيضانات وغيرها من التأثيرات المناخية إلى تدمير المحاصيل. أما في المناطق الزراعية فيكافح المزارعون لإيصال محاصيلهم إلى الأسواق، فالطرق والجسور مدمرة أو مغلقة في أغلب الأحيان، مما يؤدي إلى فقد الغذاء، حيث تضطر الشاحنات إلى سلوك طرق أطول بكثير للوصول من مكان إلى مكان.
هل يبدأ تخفيف الضغوط من الشرق؟
رغم أهمية الاعتراف بخصوصية كل منطقة، فإن معالجة القضايا في مقاطعات إيتوري وشمال كيفو وجنوب كيفو التي تمزقها الصراعات من شأنه أن يساهم في تحسين الاستقرار الشامل والتنمية في الكونغو الديمقراطية. لكن هذا يتطلب إحلال السلام والعودة الآمنة وإعادة توطين النازحين.
عندما يعود النازحون إلى أراضيهم وللعمل بالزراعة، سيشجع ذلك على الاستثمار في البنية التحتية الريفية وأنشطة بناء القدرة على الصمود. سيتطلب ذلك أيضًا إعادة دمج المقاتلين في قوة عاملة يمكنها مساعدة الكونغو الديمقراطية ليس فقط فيما يتعلق بالزراعة، بل أيضًا في تصدير الغذاء.
ما هي احتياجات برنامج الأغذية العالمي التمويلية في الأشهر الستة المقبلة؟
يحتاج برنامج الأغذية العالمي في الستة أشهر المقبلة لتمويل قدره 381.2 مليون دولار وهو الحد الأدنى لمساعدة 1.5 مليون من الأشخاص الأكثر ضعفاً، ولكن مواصلة عملياتنا على نطاق أوسع يتطلب تمويلاً قدره 567.8 مليون دولار أمريكي.
كيف يتم التعامل مع هذا النقص في التمويل؟
سنطبق ما ندعوه بتحديد الأولويات القصوى، وهو يتضمن توفير حصص إعاشة كاملة لمدة ستة أشهر لعدد أقل من الناس عوضا عن توزيع المساعدات على عدد أكبر من الناس ولكن بشكل محدود للغاية بحيث لا يحصل أحد على مساعدة كافية. إنه قرار مؤلم ولهذا نحن بحاجة ماسة إلى الأموال.
ماذا عن عملنا مع المنظمات الأخرى؟
يعمل برنامج الأغذية العالمي بشكل وثيق مع منظمات مثل منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، وخاصة في مقاطعتي تنجانيقا وكاساي.
تعمل المشاريع التي تدعمها السويد والنرويج على تعزيز الروابط بين العمل الإنساني والتنموي وإقرار السلام. ويحقق ذلك الاستجابة للاحتياجات الفورية مع تقليل تلك طويلة الأجل بفضل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والتقنية والمتعلقة بالمرونة لتحسين قدرة الناس على الاستجابة للأزمات.
تقع حماية الأشخاص الذين نخدمهم في قلب تدخلات برنامج الأغذية العالمي. وأجرى برنامج الأغذية العالمي العام الماضي عدة تحليلات خاصة بالاحتياجات والتحديات في المناطق المتأثرة بالنزاع من أجل تحسين برامجه، بما في ذلك مشروع مشترك مع منظمة الأغذية والزراعة في كاساي.
ماذا عن المشاكل التي تواجهها النساء والفتيات؟
لدى النساء اللاتي يعشن في مخيمات النازحين خيار صعب، ما بين ترك أسرهن تعاني الجوع أو مواجهة العنف الجنسي في أثناء المغامرة بالخروج للعثور على الطعام والحطب، أو الاضطرار إلى اتباع أساليب غير آمنة مثل الدعارة من أجل البقاء.
يكمن وراء هذا الوضع المثير للقلق أسباب عديدة، بدءًا من العلاقات غير المتساوية بين الجنسين وثقافة الإفلات من العقاب، وضعف نظام العدالة، والنزوح والظروف المعيشية غير الآمنة، وصولا إلى الجوع والفقر، الذي تفاقم بسبب عدم إمكانية الحصول على الغذاء وعدم كفاية التمويل للمساعدات الإنسانية.
المساعدات الغذائية المنتظمة، والتي يمكن التخطيط المسبق لها يمكنها أن تقلل من وطأة بعض أساليب البقاء هذه. في برنامج الأغذية العالمي، نحرص على تسليط الضوء على الروابط بين انعدام الأمن الغذائي وارتفاع مخاطر الحماية التي تواجهها النساء في شرق الكونغو الديمقراطية. في حين أن توفير المساعدات الغذائية والاحتياجات الأخرى - مثل المأوى والمياه والصرف الصحي - أمر ضروري، إلا أن هناك حاجة إلى العمل المشترك والحلول المتكاملة وتنسيق البرامج مع العديد من الشركاء وأصحاب المصلحة.