أسئلة وأجوبة: السلام المفقود - كيف يُمكن لإنهاء الصراع وحده أن يُوقف دوامة الجوع؟

عندما يتقلص التمويل، تتأثر العمليات الإنسانية – ويتضرر الأشخاص الذين تسعى منظمات مثل برنامج الأغذية العالمي لمساعدتهم.
مع انخفاض التمويل بنسبة 40% مقارنة بالعام الماضي، يضطر برنامج الأغذية العالمي إلى تقليص أو حتى إيقاف الحصص الغذائية لبعض من أكثر الفئات ضعفًا.
هذا العام، يهدف برنامج الأغذية العالمي إلى الوصول إلى 98 مليون شخص بالمساعدات الغذائية والتغذوية، في وقت يواجه فيه 343 مليون شخص في 74 دولة مستويات حادة من الجوع.
ومع ذلك، فإن المال وحده لن يحل هذه الأزمة. ففي مختلف السياقات وعبر القارات، يظل تحقيق السلام – أو على الأقل توفير ظروف سلمية – أمرًا بالغ الأهمية حتى يتمكن برنامج الأغذية العالمي من تقديم المساعدة على نطاق واسع.
في الأسئلة والأجوبة أدناه، يصف روس سميث، مدير قسم التأهب والاستجابة للطوارئ في برنامج الأغذية العالمي، ما يراه البرنامج على أرض الواقع، والفجوات في التمويل، وكيف يؤدي النزاع إلى تعميق حالة الطوارئ.

ما هي الأزمات التي تُبقيك مستيقظًا ليلاً؟
روس سميث: الأزمات الكبرى التي تُبقي عيني مفتوحتين ليلاً في الوقت الحالي هي السودان، غزة، وجمهورية الكونغو الديمقراطية. لا تزال اليمن مصدر قلق كبير، خاصة فيما يتعلق بسلامة موظفينا في هذه المرحلة.
جميع هذه الأزمات هي حالات طوارئ واسعة النطاق ومعقدة في مناطق نزاع، وتواجه جميع التحديات: أعداد هائلة من الأشخاص المحتاجين، مفاوضات الوصول، الدبلوماسية، التمويل، مشاركة المانحين، وتوفير الكوادر.
الوضع في السودان مقلق للغاية – حيث يواجه ما يقرب من 25 مليون شخص الجوع الحاد. تم تأكيد حدوث المجاعة في أجزاء من البلاد، وهناك مناطق أخرى معرضة للخطر، العديد منها يصعب الوصول إليها للغاية وتتطلب عبور خطوط النزاع أو الحدود.

أكثر من مليون شخص نزحوا داخل السودان، فيما فرّ 4 ملايين آخرين إلى خارج البلاد، مما شكّل عبئًا إضافيًا على الدول المجاورة مثل جنوب السودان، إثيوبيا وتشاد.
اضطررنا إلى توسيع فرقنا، والعمل مع شركائنا من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، والتفاوض باستمرار على الوصول.
وفي الوقت نفسه، نحن على تواصل دائم مع الجهات المانحة والدول الأعضاء لضمان استمرار المسارات الدبلوماسية والسياسية.
غزة تُعدّ الأزمة الأكثر وضوحًا في العالم من حيث انعدام الأمن الغذائي – حيث تم تأكيد وجود 500,000 شخص في حالة مجاعة، والحاجة واضحة تمامًا. يمتلك برنامج الأغذية العالمي القدرة والموارد والخبرة اللازمة للتخفيف من المعاناة على الفور، لكن من دون وقف إطلاق النار أو ظروف مشابهة لوقف إطلاق النار، لا يمكننا العمل على النطاق المطلوب. هذه هي الحقيقة التشغيلية ببساطة: نحن بحاجة إلى وصول آمن.

الصورة: برنامج الأغذية العالمي/بن أنغوانديا
جمهورية الكونغو الديمقراطية بيئة مجزأة ومعقدة تشهد اشتباكات مسلحة مستمرة وأزمات صحية، بما في ذلك فيروس إيبولا حاليًا، مما يخلق حلقة من النزوح واليأس. وعلى الرغم من توقيع الكونغو الديمقراطية اتفاق سلام مع رواندا في يونيو/حزيران، إلا أننا لا نرى نتائج ملموسة على أرض الواقع.
أدت مشاكل الوصول، بما في ذلك إغلاق مطار غوما، إلى عدم تمكن خدمات الأمم المتحدة للنقل الجوي للمساعدة الإنسانية التابعة لبرنامج الأغذية العالمي من نقل عمال الإغاثة والطعام إلى مناطق النزاع، مما يعني أن أكثر من نصف مليون شخص لا يمكن الوصول إليهم وسط تفاقم انعدام الأمن الغذائي في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. ويؤثر نقص التمويل بشدة على الوضع. وبدون موارد جديدة كبيرة، سيتقلص نطاق برنامجنا بشكل كبير.
هايتي حالة طارئة أخرى
روس سميث: نعم. العنف المرتبط بالجماعات المسلحة أدى إلى نزوح أكثر من 1.3 مليون شخص شخص، وزاد من تعقيد وصول المساعدات الإنسانية، مما أدى إلى مواجهة الناس أوضاعًا شبيهة بالمجاعة في بعض المناطق.
وعلى مستوى أمريكا اللاتينية بشكل عام، يتركز جزء كبير من عملنا على الاستجابة للطوارئ الموسمية – مثل الفيضانات والأعاصير – والاستعدادات التي تتيح لنا الاستجابة بسرعة. هذا العام، أدى انخفاض المخزون الطارئ إلى إعاقة قدرة برنامج الأغذية العالمي على الاستجابة السريعة. وفي جميع أنحاء المنطقة، لا تزال ضغوط الهجرة هائلة، ممتدة على طول أكبر ممر هجرة في العالم.

كيف تُحدد مكاتب برنامج الأغذية العالمي القطرية أولوياتها؟
روس سميث: لا توجد خيارات سهلة عندما لا تتوفر الأموال. النقص في التمويل يؤثر على كل ما نقوم به في برنامج الأغذية العالمي. لقد شهدنا تقليصات في برامج الطوارئ الغذائية والتغذوية على نطاق واسع – هناك تأثير سلبي واضح على النظام بأكمله.
أحيانًا نحاول تمديد الموارد من خلال تقليص الحصص الغذائية، لكن في نهاية المطاف نضطر إلى إيقاف المساعدات عن بعض الأشخاص بالكامل.
معظم تمويلنا مخصص بشكل صارم لدولة معينة أو حتى لنشاط محدد، مما يحد من مرونتنا. على المستوى القطري، عادةً ما يكون هناك بعض الحُرية في إعادة تحديد الأولويات، مع التركيز على الفئات الأكثر ضعفًا، مثل الأطفال والنساء الذين يعانون من سوء التغذية، أو الأشخاص في المناطق التي يصعب الوصول إليها والتي تفتقر إلى الأسواق واستراتيجيات التكيف. هذه هي المجالات التي نحاول فيها تركيز الموارد الشحيحة.
ندعم فرقنا القطرية في التواصل مع المجتمعات المتأثرة في وقت مبكر، ونحاول إشراكهم قدر الإمكان، ونسعى لجعل العملية أكثر كرامة. لكن لا يمكننا إخفاء الحقيقة: هناك أشخاص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد يُتركون دون مساعدة.
في سياق اللاجئين، أكثر من ثلاثة أرباع برامجنا توقفت بالكامل أو تم تقليصها بشكل كبير. هذا يعني حرمان الناس من المساعدات كليًا، وليس مجرد خفض الحصص الغذائية. هؤلاء أناس في ظروف يائسة، والعواقب وخيمة.

تواجه الحكومات الوطنية أيضًا تخفيضات في الإنفاق. وهذا يفرض إجراءات تقشفية تُضعف قدرة الناس على الصمود، وتدفعهم إلى الاعتماد على المساعدات الإنسانية التي لم نعد قادرين على توفيرها.
ولهذا تأثيرٌ غير مباشر على المنظمات غير الحكومية الوطنية التي يعمل معها برنامج الأغذية العالمي، خاصة الصغيرة منها التي كانت تعتمد على مصدر تمويل واحد. العديد منها اضطر إلى الإغلاق. حتى المنظمات الدولية اضطرت إلى تقليص عملياتها، مما يزيد الضغط على عمليات برنامج الأغذية العالمي.
لنتحدث عن أفغانستان
روس سميث: شهدت أفغانستان انهيارًا في الخدمات الاجتماعية، تفاقم بسبب نقص التمويل في التدخلات التنموية والإنسانية. قد لا تظهر المعاناة دائمًا على شاشات التلفزيون، لكن الأدلة واضحة: ارتفاع معدلات سوء التغذية، وانعدام الأمن الغذائي، والنزوح. أضف إلى ذلك عودة ما يقرب من مليوني أفغاني قسريًا من إيران وباكستان دون أي دعم في انتظارهم، وسترى مدى سرعة تفاقم الهشاشة.

هذا العام، من المتوقع أن يُعاني 3.5 مليون طفل في أفغانستان من سوء التغذية - بزيادة نصف مليون طفل عن العام الماضي، مما يُمثل أكبر زيادة مُسجلة في سوء التغذية في البلاد، وسط تراجع كبير في المساعدات.
كما يُقلص برنامج الأغذية العالمي دعمه لموسم الشتاء بشكل كبير نظرًا لنقص الموارد اللازمة لتوفير المساعدات الغذائية مُسبقًا. ويتزامن هذا مع موسم الجفاف. وقد يُواجه ما يصل إلى 15 مليون شخص مُستضعف خطر الجوع الشديد والنزوح وتأثيرات الظروف الجوية القاسية. ومع ذلك، لا يملك برنامج الأغذية العالمي سوى تمويل يكفي لمساعدة مليون شخص في الأشهر المقبلة.
ذكرتَ التغطية الإعلامية - وهذا أمر بالغ الأهمية.
روس سميث: غزة وأوكرانيا تتصدران العناوين، لكن أفغانستان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وهايتي، ومنطقة الساحل، والسودان، وجنوب السودان تكافح للحصول على التغطية الإعلامية. وهذا يؤثر مباشرة على التمويل. نبذل ما في وسعنا لإيصال صوت الفئات الأكثر ضعفًا. إلى جانب التواصل الإعلامي، نعتمد بشكل كبير على الجهود الدبلوماسية لضمان بقاء الأزمات المنسية على جدول الأعمال العالمي.
لكن في النهاية، ما نحتاجه هو السلام.

هناك ارتباط مباشر بين النزاع والجوع. فارتفاع انعدام الأمن الغذائي يمكن أن يؤدي إلى النزاع، والنزاع بدوره يقيّد وصول المساعدات الإنسانية. المساحة الإنسانية أصبحت أكثر تقييدًا من أي وقت مضى، في أماكن مثل اليمن، فلسطين، السودان، جمهورية الكونغو الديمقراطية ومنطقة الساحل. كنا نتمتع سابقًا بقدر أكبر من الاحترام ومساحة عمل أكبر، لكن هذا يتآكل الآن.
نستخدم جميع القنوات المتاحة لنا لتأمين الحد الأدنى من الظروف اللازمة للعمل. ولكن في نهاية المطاف، برنامج الأغذية العالمي وكالة متعددة الأطراف، وتقع على عاتق الدول الأعضاء أيضًا مسؤولية دعم أهدافنا. عليهم استخدام قنواتهم السياسية والدبلوماسية الخاصة لخلق المساحة التي نحتاجها.
ما هو أكبر مصدر إحباط؟
روس سميث: أحد أكبر مصادر الإحباط هو التحول في الدبلوماسية الدولية. القنوات التقليدية والمعايير التي تحكم النظام القائم على القواعد أصبحت أضعف، مما يجعل من الصعب إيجاد النفوذ اللازم للتأثير على القرارات رفيعة المستوى. رأينا العواقب في اليمن، حيث تم احتجاز موظفينا بشكل تعسفي رغم الحصانات والامتيازات الأممية. العمل دون محاسبة ضد العاملين في المجال الإنساني أمر غير مقبول، لكنه أصبح واقعًا في عدة سياقات.

ماذا كنت ستفعل لو كان لديك عصا سحرية؟
روس سميث: لو كانت لدي عصا سحرية، لبدأت بوقف إطلاق النار في غزة للسماح بالوصول الإنساني الكامل. وفي السودان، كنت سأطالب بهدنة إنسانية لإيصال المساعدات إلى المدن المحاصرة مثل الفاشر في شمال دارفور وكادوقلي في جنوب كردفان، حيث المدنيون محاصرون ويواجهون ظروفًا كارثية. أما في الكونغو الديمقراطية، فسأسعى إلى اتفاقيات وصول حقيقية تتيح لنا نقل الموظفين والإمدادات بأمان عبر شمال كيفو وجنوب كيفو وإيتوري – مدعومة بالتمويل اللازم لاستمرار العمليات.
حتى أثناء الاستجابة لحالات الطوارئ، نحتاج إلى غرس بذور البرامج المستدامة التي تعيد بناء سبل العيش وتعزز القدرة على الصمود. وإلا سنظل عالقين في حلقة مفرغة من الاستجابة قصيرة الأجل. نقص التمويل يزيد هذا الأمر صعوبة، ولكنه أكثر أهمية من أي وقت مضى.
كيف يبدو العام المقبل؟
روس سميث: لا نتوقع أن يكون عام 2026 مختلفًا كثيرًا عن عام 2025 من حيث التمويل. نأمل على الأقل في الحفاظ على المستويات الحالية، لكن لا توجد مؤشرات واضحة على أن الجهات المانحة – التقليدية أو غيرها – ستسد الفجوات. علينا أن نستعد للعمل ضمن ميزانية أصغر بكثير مما كانت عليه في السنوات الخمس الماضية.
ما الذي يُسعدك في عملك؟
روس سميث: لا يوجد الكثير مما يدعو للسعادة في هذه الأزمات. لكن ما يجلب الرضا هو أنه، رغم كل العقبات، تستطيع فرقنا تقديم المساعدة وإحداث فرق ملموس في حياة الناس – حتى لو لفترة مؤقتة. تلك اللحظات تذكرني بسبب قيامنا بهذا العمل، رغم أننا نقضي معظم أيامنا في إطفاء الحرائق، والتعامل مع النقص، والتفاوض على الوصول الذي لا ينبغي أن يُمنع من الأساس.