مع مرور عام على بدء الحرب.. شعب السودان يتوق إلى السلام وسط جوع متزايد
يجلس أحمد البالغ من العمر 13 عاماً أمام سبورة فارغة، فيما كان في السابق قاعة دراسية. لم يذهب أحمد إلى المدرسة منذ أشهر، ولكن منذ أن هرب قبل ثلاثة أسابيع من العاصمة السودانية الخرطوم التي مزقتها الحرب، أصبح منزله الآن غرفة ملطخة بالطلاء على بعد أكثر من 800 كيلومتر، في واحدة من عشرات المدارس المنتشرة في مدينة بورتسودان شرق البلاد والتي تؤوي الآن نازحين من الحرب.
تمتلئ عينا أحمد بالخوف، ويقول إنه لا يستطيع تذكر أي شيء من العام الماضي الذي قضاه محاصراً في منطقة محاصرة بالخرطوم. يبدو الأمر كما لو أن ذكرياته مخزنة بإحكام في صندوق يخشى فتحه.
مع ذلك، فهو يتذكر شيئًا واحدًا.
يقول أحمد: "لم يكن هناك طعام في منزلي قبل مغادرتنا. لهذا السبب الوضع أفضل في بورتسودان. على الأقل يوجد طعام هنا".
أحمد هو واحد من بين ملايين انقلبت حياتهم رأساً على عقب بسبب الصراع الذي يتم عامه الأول يوم الاثنين (15 أبريل). بالإضافة إلى مقتل وجرح الآلاف، أدى القتال بين الجماعات المسلحة المتنافسة إلى أكبر أزمة نزوح في العالم، حيث يبحث أكثر من 8.6 مليون شخص عن ملجأ داخل البلاد وخارجها. كما تهدد التداعيات الإقليمية للحرب في السودان بالتسبب في أكبر أزمة جوع في العالم.
حاجة ملحة للوصول
يواجه اليوم أكثر من ثلث السكان - 18 مليون شخص - انعدام الأمن الغذائي الحاد أو الطارئ، وهو الرقم الذي من المرجح أن يرتفع مع اقتراب موسم العجاف في مايو/أيار.
يقول المسؤول الإعلامي في برنامج الأغذية العالمي محمد الأمين، والذي فر من الخرطوم مع زوجته وطفله: "إن الحرب ليست حدثاً انتقائياً، لقد أثرت في الجميع". يعد الأمين من بين العديد من العاملين السودانيين في المجال الإنساني ممن يحاولون الآن مساعدة مواطنيهم على البقاء على قيد الحياة.
في حين قدم برنامج الأغذية العالمي مساعدات غذائية وتغذوية لأكثر من 6 ملايين شخص خلال العام الماضي، إلا أن مناطق شاسعة لا تزال بعيدة عن متناول منظمات الإغاثة.
في الواقع، واحد فقط من كل 10 أشخاص ممن يواجهون الجوع الطارئ، موجود في المناطق التي يمكن لبرنامج الأغذية العالمي الوصول إليها بانتظام (الجوع الطارئ هو المرحلة الرابعة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الذي يقيس انعدام الأمن الغذائي الحاد) مما يترك الـ 90% الآخرين محاصرين في بؤر الصراع الساخنة، مثل ولايات الخرطوم وكردفان ودارفور والجزيرة.
يشمل ذلك عائلة عبد العزيز، الذي يكسب عيشه من بيع الطماطم والباذنجان وغيرها من المنتجات في ضواحي بورتسودان. هو في الأصل من أم روابة في جنوب وسط السودان، وانتقل إلى هنا بحثًا عن عمل قبل بدء الحرب.
ما زال عبد العزيز قادراً على إرسال الأموال إلى زوجته وأبنائه الأربعة، الذين لم يرهم منذ يونيو الماضي، بعد أن وصلت الحرب أيضاً إلى مدينتهم. إن محاولة العودة إلى المنزل، والتي تستغرق 18 ساعة، ستكون بلا جدوى، حيث يمتلئ الطريق بنقاط التفتيش والقتال.
يقول عبد العزيز، الذي طلب عدم ذكر اسمه الحقيقي: "أحياناً لا أعرف عنهم شيئًا لأسابيع، بسبب انقطاع الشبكات. أعلم أن المكان الذي يوجدون فيه ليس آمنًا. لا يسعني إلا أن أتمنى وأدعو الله أن يتمكنوا من البقاء على قيد الحياة”.
مع ذلك، هناك نجاحات صغيرة، فللمرة الأولى منذ شهور، وصلت قوافل المساعدات التابعة لبرنامج الأغذية العالمي مؤخراً إلى دارفور التي مزقتها الحرب، حاملة معها دعماً كافياً لربع مليون شخص. لكننا ما زلنا نضغط نحن والعاملون الآخرون في المجال الإنساني، من أجل الوصول غير المقيد في جميع الأوقات، لتلبية الاحتياجات الهائلة قبل فوات الأوان.
يقول المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي وممثله في السودان إيدي رو: "نحن بحاجة إلى وصول المساعدات باستمرار إلى المجتمعات التي مزقتها الحرب عبر كل الطرق الممكنة". ويضيف أن الوصول عبر الحدود بشكل خاص من تشاد إلى دارفور أمر حيوي للوصول إلى الأشخاص الذين يواجهون مستويات جوع مثيرة للقلق، حيث توجد مجتمعات يموت فيها الأطفال بالفعل بسبب سوء التغذية.
دعوات للسلام
في المناطق الأكثر أماناً في شرق وشمال السودان، تعتبر حصص برنامج الأغذية العالمي التي تشمل الحبوب والبقول والزيت والملح بمثابة شريان حياة للكثيرين، ومن بينهم بائعة الشاي في الخرطوم والناشطة الحقوقية الشهيرة عوضية محمود، التي لجأت إلى بورتسودان بعد عام من الفرار.
تتذكر عوضية رحلتها الأخيرة، من ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، في ديسمبر/كانون الأول، حيث أصبح ملاذها بعد الحرب ساحة معركة جديدة.
تقول عوضية، المعروفة باسمها الأول، وهي تروي رحلتها التي استغرقت خمسة أيام ومسافة 1000 كيلومتر إلى المدينة الساحلية المطلة على البحر الأحمر: "كان ذلك اليوم صعباً للغاية، لقد تركت كل ما كان لدي خلفي مرة أخرى".
طوال عام من الاضطرابات، واصلت عوضية دعم أكبر عدد ممكن من الأشخاص، حيث قامت بتنظيم وطهي الطعام في مطابخ جماعية للآخرين الذين فروا، وهي الآن تدير مطبخًا للفقراء حيث يحصل الناس على طعامهم.
تقول: "جاء برنامج الأغذية العالمي وأعطانا الذرة الرفيعة والبازلاء والملح والزيت. لقد ساعدنا ذلك لأن الناس لم يكن لديهم شيء. لقد وقف برنامج الأغذية العالمي إلى جانبنا حقًا”.
تعيش عوضية في نفس المدرسة التي يعيش فيها أحمد المراهق النازح من الخرطوم ووالدته فاطمة. لقد جمعت الحرب في السودان الغرباء معاً، بينما يواجه سكان البلاد البالغ عددهم 47 مليون نسمة نفس العواقب المروعة للحرب.
تقول عوضية: "أملنا هو أن تتوقف الحرب، حتى نتمكن من العودة إلى ديارنا. لا نريد الحرب. لقد أضر بنا الأمر، وخاصة النساء”.
عبر عن المشاعر نفسها العديد من الآخرين هنا.
تجلس فاطمة، والدة أحمد، على سرير بسيط تتقاسمه مع العديد من أقاربها، وتشرح كيف بقت على قيد الحياة أسرتها المكونة من سبعة أفراد في الخرطوم، من خلال تخفيف وخلط أي حبوب متبقية لديهم في عصير الشعير. في مارس/آذار، تمكنوا أخيراً من الفرار إلى بورتسودان.
تصف فاطمة آمالها في مستقبل يمكن أن يزدهر فيه أطفالها، حيث تُستخدم الفصول الدراسية للتعلم عوضًا عن اللجوء إليها للبقاء على قيد الحياة، لكن ذلك يتطلب إحلال السلام.
تقول فاطمة إن الأطراف المتحاربة "لم تخسر شيئاً، بل نحن من خسرنا كل شيء. إنهم يسلبوننا كل ما نملك. عليهم أن يجلسوا ويتحدثوا ويحلوا هذا الأمر”.