لماذا أصبح "الإنذار الأحمر" الذي أطلقته الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ حقيقة واقعة بالنسبة للكثيرين
يتسم العالم الذي يعمل فيه برنامج الأغذية العالمي اليوم بارتفاع معدلات الجوع الذي أصبح ينتشر بوتيرة أسرع من أي وقت مضى على مدار القرن الحادي والعشرين. إنه عالم يعاني فيه حاليًا 811 مليون شخص من الجوع، من بينهم 41 مليون شخص يعيشون على وشك السقوط في براثن المجاعة.
وقد نُشر التقرير السادس عن "حالة العلم" الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة (IPCC) يوم الإثنين الماضي (9 أغسطس)، والذي يؤكد أن دور تغير المناخ، كعامل مضاعف لمخاطر الجوع والفقر والنزاع والنزوح، لن ينحسر في أي وقت قريب.
في عام 2007، مُنحت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ وآل جور، نائب الرئيس الأمريكي السابق، جائزة نوبل للسلام لأنهم أطلعوا العالم على المخاطر التي يشكلها تغير المناخ. وقد جاء ذلك في أعقاب تقرير التقييم الرابع الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، والذي سلط الضوء على أن ارتفاع درجة حرارة النظام المناخي أصبح واضحًا وجليًا، وأن غالبية حالات ارتفاع درجات الحرارة العالمية منذ الخمسينيات كانت نتيجة لأعمال نفذها الإنسان.
وفي عام 2020، تم اختيار برنامج الأغذية العالمي ليكون الحائز على جائزة نوبل للسلام لجهوده في مكافحة الجوع - بعد عقد كان الأشد حرارة على الإطلاق.
لا تزال العديد من الأشياء التي عرفها المجتمع العلمي عن تغير المناخ منذ 14 عامًا تثبت أنها صحيحة. ومع ذلك، فإن أوجه التقدم المحرز في وضع النماذج المناخية يسمح الآن برؤى وتوقعات أكثر تفصيلاً مع القليل من عدم اليقين. وعلى سبيل المثال، أصبح تقرير "حالة العلم" قادرًا في الوقت الحالي على فصل العامل البشري عن الأسباب الطبيعية المؤدية لظاهرة الاحترار العالمي.
وعلى هذا النحو، يؤكد التقرير أن انبعاثات الغازات الدفيئة التي تحدث بسبب أعمال الإنسان هي السبب الكامن وراء بعض موجات الاحترار والعواصف والفيضانات التي تتطلب من منظمات مثل برنامج الأغذية العالمي إطلاق عمليات إنسانية لإنقاذ الأرواح.
وعلاوة على ذلك، قام العلماء بتضييق النطاق المقدر للتغيرات في درجات الحرارة استجابةً لتركيزات مختلفة من الغازات الدفيئة: من المرجح أن تؤدي مضاعفة مستويات ثاني أكسيد الكربون قبل الصناعية، والتي وضعتها العينات الجليدية الجوفية عند حوالي 270 جزءًا في المليون، إلى تأثير الاحترار بمعدل يتراوح بين 2.5 درجة مئوية إلى 4 درجات مئوية - وهو نطاق أصغر من معدل 1.5 درجة مئوية إلى 4.5 درجة مئوية الموضحة في التقارير السابقة الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
وفي الوقت الحالي، يقترب العالم من 420 جزء في المليون من تركيزات ثاني أكسيد الكربون ومتوسط درجة حرارة عالمية 1.1 درجة مئوية أكثر دفئًا من متوسطات ما قبل الصناعة. وكل عام، يُضاف حوالي 2 جزء في المليون من تركيزات ثاني أكسيد الكربون جراء النشاط البشري.
وهذا يعني أن ميزانية الكربون البشرية تنفد بسرعة - وحتى في ظل السيناريو الأكثر تفاؤلاً وفقًا لرؤية الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، عندما تبدأ الانبعاثات العالمية في الانخفاض بشكل حاد اليوم وتنخفض إلى الصفر الصافي بحلول عام 2050، ستظل درجات الحرارة العالمية أعلى من الحد البالغ 1.5 درجة المنصوص عليها في اتفاق باريس للمناخ. وسيكون هذا وحده كافياً لتزايد الاحتياجات الإنسانية في المستقبل.
إن سكان العالم الذين يتأثرون بأزمة المناخ اليوم لا يتمتعون برفاهية الانتظار حتى يغير العالم مساره بشأن انبعاثات الغازات الدفيئة. لقد وجدوا أنفسهم بالفعل عالقين في دوامة الظواهر المناخية المتطرفة الأكثر تواترًا والأشد حدة، والتي تضاعفت أكثر من الضعف خلال العقود الأربع الماضية وتسببت في زيادة الخسائر والأضرار في الأنظمة التي تجلب الأغذية إلى موائدهم.
وخلال عام 2020، كانت الظواهر المناخية المتطرفة هي المحرك الرئيسي للجوع الحاد في 15 بلدًا، مما أدى إلى نزوح 30 مليون شخص داخل الحدود - أي حوالي ثلاثة أضعاف النازحين جراء العنف أو النزاعات.
ويميل النزوح إلى تأجيج التوترات الاجتماعية والسياسية - وبمجرد اندلاع هذه التوترات في صورة عنف أو نزاع، يصبح الناس أشد ضعفاً وغير قادرين على إدارة المخاطر.
وحتى عندما لا يتعرض السكان للنزوح جراء الفيضانات أو العواصف أو الجفاف، فإنهم لا يعانون من تغيرات في أنماط هطول الأمطار والمواسم الزراعية فحسب، ولكنهم يعانون أيضًا من تفشي الآفات والأمراض والإجهاد الحراري التي تؤثر على كل من المحاصيل والثروة الحيوانية.
ماهي الاجابة؟ إن الإجابة تكمن في وضع برامج تعظم من فوائد الحلول المناخية القائمة على الطبيعة والمخصصة للمجتمعات المحلية، مثل الأحزمة الخضراء الساحلية، وتحريج سفوح التلال، والبرك والخزانات العامة. وتكمن الإجابة أيضًا في وضع برامج تتيح تحسين التوقع لمخاطر المناخ، وتبني أنظمة تمويل للوقاية من المخاطر التي تساعد على تضييق فجوة التمويل التي تزداد في أعقاب الكوارث المناخية، خاصة على مستوى صغار المزارعين.
وكذلك، تجعل الإجهادات المناخية سبل كسب العيش أكثر هشاشة لدرجة أن الاضطرابات الصغيرة يمكن أن تؤدي إلى الجوع الحاد والاعتماد على المساعدات الخارجية.
ويجب على الجهات الفاعلة الإنسانية والإنمائية توجيه المزيد من الدعم الموجه إلى البلدان التي تعاني بشكل متزايد من تداعيات شديدة ومضاعفة لتغير المناخ على الأمن الغذائي.
تماشياً مع الطموحات والالتزامات الوطنية المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ، والتي لا تزال تعاني من نقص الموارد على نطاق واسع، لا تحتاج برامج المساعدات الإنسانية المنفذة في أهم النقاط الساخنة المعرضة لمخاطر المناخ في العالم إلى الاستعداد لاستجابات أسرع لكوارث مناخية أكبر وأكثر فحسب - بل تحتاج أيضًا إلى دمج الحلول الإستراتيجية لتمهيد سبل الانتقال من الاستجابة التفاعلية للأزمات إلى إدارة المخاطر التي تتسم بنظرة مستقبلية.
تحتاج الأنظمة إلى دمج التمويل القائم على التنبؤات والحلول التأمينية ضد مخاطر المناخ للحد من الاعتمادية المفرطة على الاستجابة المتكررة للأزمات وتنظيم مصادر التمويل المختلفة في الرابط بين العمل الإنساني والإنمائي - بما في ذلك التمويل المناخي من القطاعين العام والخاص.
في قطاع العمل الإنساني، تم الاعتراف "بالإنذار الأحمر للبشرية" بشأن المناخ العالمي الذي أكده أحدث تقرير أصدرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ على أنه حقيقة واقعة في هذا المجال. ويدعم برنامج الأغذية العالمي بالفعل المتضررين على الخطوط الأمامية لأزمة المناخ العالمية ممن يواجهون خطر المجاعة، وتظهر بؤر ساخنة جديدة على خريطة الجوع التي ينشرها برنامج الأغذية العالمي يوميًا.
إن العقد القادم سيكون حاسمًا - ليس فيما يتعلق بالحد من انبعاثات الغازات الدفيئة عالميًا فحسب، وإنما أيضًا لتوسيع نطاق الأنظمة التي تساعد العاملين في المجال الإنساني على تقييم المخاطر المتزايدة وإدارتها. تغير المناخ يهدد كل ركن من أركان كل بلد وكل قطاع في كل اقتصاد كما يهدد مستقبل كل طفل. وهذه الحقيقة أصبحت الآن أكثر وضوحًا من أي وقت مضى.
تعرف على المزيد بشأن برنامج الأغذية العالمي وجهود التصدي للتغير المناخي