رمضان في سوريا: ارتفاع أسعار الغذاء يحد من قدرة الناس على شراء الأساسيات
كانت المطابخ في الأسابيع التي تسبق شهر رمضان في سوريا تمتلئ عادة بالعديد من الأطعمة والمشروبات التي ترتبطُ بشهر الصيامِ وموائد الإفطارِ، كما كانت الأسواق المزدحمة تستقبل المتسوقين بالعروض الموسميَّة الخاصة إلا أن عدد المُتسوقين انخفض هذا العام إلى مستوياتٍ غير مسبوقةٍ نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود بشكلٍ فجٍّ على خلفية الحرب في أوكرانيا.
يقول روس سميث، نائب المدير القُطريِّ لبرنامج الأغذية العالمي في سوريا: "كنا نأمل أن تتمحور مساعداتنا الغذائية حول تغيير حياة الناس للأحسن، ولكن عِوضًا عن ذلك، وأكثر من أي وقت مضى، فإن إساهماتنا تدور الآن حول إنقاذ حياة هؤلاء الناس."
خلال شهر رمضان، كانت موائد الإفطار في المنازل مليئة بالتمور والمشروبات مثل قمر الدين والتمر الهندي لكسرِ الصيام - إلا أن قلةٌ منهم باتوا يستطيعون تحمل تكاليف توفير هذه الاحتياجات البسيطة هذا العام بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تجتاح البلاد.
يتصارع السوريون مع العواقب الاقتصادية المستمرة الناجمة عن سنواتٍ من النزاع الدامي، واستفحال آثار وتبعات جائحة كوفيد-19، وتغير المناخ، والأزمة الاقتصادية في لبنان المجاور (الذي يرتبط اقتصاده ارتباطاً وثيقاً باقتصادِ سوريا) ولم لسلم أي أسرة من هذه العواقب.
وفقدت الليرة السورية 80% من قيمتها منذ بدء الأزمة اللبنانية عام 2019. مما أدى إلى تآكل القوة الشرائية لملايين الأشخاص، وفي الوقت نفسه، ارتفعت أسعار المواد الغذائية حتى بلغَت عنانِ السماء.
وفقا لأحدث البياناتِ الصادرة عن برنامج الأغذية العالمي، بين عامي 2019 و2021، ارتفع سعر الأغذية الأساسية بنسبة مذهلة بلغت 800%. وبحلول الأسبوع الثاني من مارس/ آذار 2022، مع بدء الحرب في أوكرانيا، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 18% في أوائل فبراير/شُباط. وتضطر الأسر الآن إلى الاختيار بين شراء الطعام أو الوقود أو الدواء. ولم يعد بوسع أشخاص مثل هؤلاء المقيمين في حلب تحمل تكاليفها جميعا.
زاهِر
يشهدُ زاهر أدنى إقبالٍ على مَتجرهِ منذ تاريخ افتتاح المتجر من عامين. من جانبهِ قال زاهر مُوضِّحًا حقيقة الأوضاع:" لم يعد الناس يستطيعون شراء كل الأغذية التي يحتاجونها، لكنهم باتوا الآن يشترون نصف الكميَّات اللازمة، أو اللجوء إلى سلع ذات جودة أقل لسد احتياجاتهم."
أم حُسين
بعد متابعة جميع العروض في المتجر، لم تتمكن أم حسين من العثور على مكوناتٍ بأسعار معقولة لطهي وجبة لبناتها الثلاث. فقررت شراء بعض السمن لتطهو كل ما يمكن أن تجده في المنزل. ونظرًا لأن علبة السمن تكلف على الأغلب أكثر مما لديها، فإن المتجر يُوفِّرُ لها خيار شراءِ كميَّةٍ صغيرةٍ من السمن في كيس بلاستيكي.
بات هذا النمط من التسوُّقِ لشراء المواد الغذائية الأساسية شائعًا الآن بشكل متزايد في المتاجر في جميع أنحاء البلاد بعد سنوات من الصراع أعقبها انكماش اقتصادي شديد.
وبما أن غالبية السكان يعانون الآن من الفقر، فإن معظمهم لا يستطيعون شراء الطعام إلا في أكواب أو ملاعق بدلا من العلب أو العبوات أو الزجاجات.
أبو فؤاد
يتلقى أبو فؤاد شهريا مزيجا من الأغذية الأساسية والتحويلاتِ النقديَّةِ من برنامج الأغذية العالمي للتسوق لشراء الأشياء التي يحتاجها. قبل سنوات، كان الأب لخمسة أطفال يكسِبُ عيشًا كريمًا من عملهِ كصانعٍ للحلويات، ولكن بعد أن تركه الصراع مُصابًا وعاطلاً عن العمل وبدون أي أملاك تُعينه على إعالةِ ذويهِ، تحول أبو فؤاد إلى بيع المناديل الورقيَّة. وقال أبو فؤاد مُوضِّحًا: "ترتب على إصابتي أنه أصبح يلزمني العثور على وظيفةٍ تُمكِّنُني من إتمام مهامها وأنا جالِسٌ". واستطرد أبو فؤاد في حُزنٍ وحسرةٍ قائلًا:" ولكن مع تزايد تكلفة السلع الأساسية، لم يعد لدى الناس المال لشراء مناديل مني."
مُحمَّد
"نحنُ نعيش اليوم بيومهِ"، يقول محمد وهو يتجول في المتاجر للحصول على الضروريات التي تحتاجها عائلته. على الرغم من أنه يعتبر نفسه محظوظا لأنه لا يزال لديه وظيفة، يشعر محمد بقلق بالغ لأن قيمة دخلهِ تنخفضُ بسرعةٍ كبيرة.
يُضيف مُحمَّد: "إن ما أحصل عليه اليوم يساوي جزءًا صغيرًا مما اعتدت على الحصول عليهِ على مدار حياتي. قفزت الأسعار عدة مرات، لكن الرواتب لم تلاحقها وأموالنا تساوي أقل من قيمتها بكثير مع تتابع الأيام وتفاقم الأزمة."
عائشة
من جانبها تقول عائشة "إذا بقينا على قيد الحياة اليوم، فإنا لا نعرف ما يحمله الغد لنا."
وعائشةُ هي أمٌ لخمسةِ أطفال وهي تتكسب معاشها من بيعِ الخضروات. ومع ذلك، فإن الزيادة الأخيرة في الأسعار تعني أن المزيد من الناس يلغون طلباتهم. ونتيجة لذلك، تذبل خضرواتها، وينتهي بها الأمر إلى الخسارة بدلاً من كسب المال.
في ذات السياق تُسهب عائشة في شرحها قائلةً: "بغض النظر عن مدى صعوبة عملي، تقفز الأسعار مرة أخرى ولا أستطيع تلبية احتياجات أطفالي، وغالبًا ما أضطر إلى اللجوء إلى استخدامِ الاقتراض، لكن الناس لم يعودوا قادرين على إقراضي المال لأنهم هم أنفسهم يكافحون للبقاء."
وتتلقى عائشة حصصًا غذائية شهريَّة من برنامج الأغذية العالمي، ولكن في العام الماضي تم تخفيض الحصص الغذائية للسماح بزيادة وصولها لعدد أكبر من الأشخاص الذين يصلون إلى 1 مليون شخص استجابًة لانعدام الأمن الغذائي الذي ينتشر بسرعة في جميع أنحاء البلاد. ومع ذلك، تقول عائشة إنه لولا دعم حصص برنامج الأغذية العالمي، لكان من المستحيل عليها وعلى أسرتها البقاء على قيد الحياة.
For Syriبالنسبة للعائلات السورية، أصبح شهر رمضان أكثر صعوبة. وتُعدُّ حُصص الغذاء التي يُوفِّرها برنامج الأغذية العالمي هي شريان الحياة لما لا يقل عن 5.6 مليون شخص في جميع أنحاء سوريا. هذا الدعم أمر بالغ الأهمية لدعم الأسر الأكثر ضعفًا وهشاشةً في البلاد لتحمل الصدمات المستمرة والتدهور الاقتصادي المُتفاقم.
ومع ارتفاع قيمة الاحتياجات الإنسانية، يحتاج برنامج الأغذية العالمي إلى تمويلٍ أكثر من 515 مليون دولار أمريكي بحلول شهر سبتمبر/أيلول 2022 لمواصلة دعم احتياجات الأسر التي لم يتبق لها شيء. ويقدم برنامج الأغذية العالمي كل شهر الدعم الغذائي والنقدي للأسر التي لا تملك وسيلة أخرى لتلبية احتياجاتها الأساسية من السلعِ الأساسية.
.
تعرف على المزيد عن عمل البرنامج في سوريا.