Skip to main content

صوت من حلب، سوريا: "كل يوم يأتي يكون أسوأ من سابقه."

بينما لم يكن أبو هاشم ونور يحلمان أبدًا بأنهما سيحتاجان إلى دعم برنامج الأغذية العالمي لتربية أطفالهما، إلا أنهما من بين الأشخاص المحظوظين في بلد دمره عقد من النزاع
, كتب: جيسيكا لوسون وحسام الصالح
Abo Hashim hold a photo of his family and children before the conflict
أبو هاشم يعرض صورة التقطت لأسرته في حلب - لقد أنجب هو وزوجته نور للتو طفلهما السادس. الصورة: برنامج الأغذية العالمي/حسام الصالح

عند زيارتنا للأسر في حلب، نحتاج دائمًا إلى الضوء لنتبين طريقنا - ونصعد عدة درجات من السلالم في الظلام والبرد، ونتساءل عما سنراه عندما تفتح لنا الأسرة الباب. فلا نجد إلا ثلاجة فارغة ولا توجد كهرباء وبعض الصور القديمة على الحائط. هذا كل ما تبقى بعد مرور عشر سنوات من النزاع في سوريا.



نشأ أبو هاشم، في العقد الخامس من عمره، في مدينة مليئة بالجمال. فقد شهد ازدهار الأسواق التي تعج بأصناف التوابل والأغذية المختلفة والمسافرين من جميع أنحاء العالم والاقتصاد المتنامي. ولم يكن ينقصه شئ.

 

وبعد عدة عقود، أصبح أبو هاشم أبًا لستة أطفال، وهو عاطل عن العمل في الوقت الحالي ويواجه أسوأ أزمة اقتصادية شهدتها سوريا على الإطلاق. فبعد العيش لسنوات في ظل النزاع والنزوح، جعل ارتفاع أسعار المواد الغذائية من الحصول على الأغذية الأساسية أمرًا بعيد المنال. وعندما يتحدث عن كفاحه من أجل إطعام أسرته يقول: "إن الألم الذي أعيشه لا يوصف."



ويضيف: "كل يوم يأتي، يكون للأسف، أسوأ من اليوم السابق. فالأيام أصبحت أقسى. ولقد كنا معتادين على إدارة احتياجاتنا المعيشية بحلول بسيطة، لكننا الآن لم نعد تستطيع ذلك."

Destroyed building in Aleppo
بناية مدمرة في حي الصاخور بحلب خلال شهر أكتوبر. الصورة: برنامج الأغذية العالمي / جيسيكا لوسون

في حياة أبي هاشم، تغير كل شيء تقريبًا. فعندما كان طفلاً، كان والده يشتري لأسرته عربة كاملة من البطيخ. ويمكنه أن يتذكر وجود ثلاجة مليئة بالجبن وخزائن مليئة بزيت الزيتون. فقد كان الطعام في المتناول ومتوفر في عاصمة سوريا الاقتصادية.

Boy in Syria
طفل خارج مخبز تم ترميمه في حلب الشرقية عام 2018 بعد أن تعرض للتدمير. الصورة: برنامج الأغذية العالمي / حسام الصالح

ويضيف أبو هاشم: "هذا الصيف أعتقد أنني اشتريت بطيخة واحدة أو اثنتين فقط، وهذا كل شيء. كنا نشتري عشرات الكيلوجرامات من اللبنة، والآن نشتريها بالجرام. عندما كنت طفلاً، إذا استهلكت وحدي كيلوغرامًا واحدًا، فلن يلاحظ أحد أو ينزعج. لم أشتر قنينة زيت زيتون منذ ثلاث سنوات. لقد كنا معتادين على التفكير في الحياة الجيدة وقضاء أوقات الفراغ، ولكننا الآن نفكر فقط في كيف وأين سنحصل على وجبتنا التالية."



ويتذكر أنه كان يشتري كميات صغيرة من الذهب عندما كان مراهقًا للاحتفال بالعيد. والآن بعد ان أصبح كبيرًا، باع خاتم زواج زوجته حتى تتمكن أسرته من تلبية احتياجاتها الأساسية.



لقد دفعت الأسر ثمناً لا يمكن تصوره لعقد من النزاع. ويعاني اليوم 12.4 مليون شخص - أي 60٪ من السكان - من انعدام الأمن الغذائي، أكثر من أي وقت مضى في سوريا.

Abo Hashim, his wife Noor and baby Shaghaf at their home in Aleppo.
أبو هاشم وزوجته نور وطفلتهما شغف في منزلهم في حلب. الصورة: برنامج الأغذية العالمي/حسام الصالح

خلف الأبواب المغلقة، يرتجف السوريون في شقق متجمدة - فنادرًا ما تتوفر الكهرباء. وينتظرون لساعات من أجل شراء الخبز والوقود ومستلزمات الحياة. ومثل بقية العالم، يشعر السوريون بالقلق من جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) ولكنهم، علاوة على ذلك، قلقون بشأن مصدر وجبتهم التالية.



مع ارتفاع الأسعار كل شهر، تنخفض قيمة العملة السورية وتتلاشى الحياة الهادئة التي يحلم بها الملايين.

لدى أبو هاشم طفلة جميلة تبلغ من العمر ثلاثة أشهر تجلس على رجله. ويتبادل والداها حملها أثناء حديثهما.

 

Aleppo
تسليم شحنة أغذية في حلب الشرقية عام 2016. تصوير: برنامج الأغذية العالمي/عبد الله الشاغل

يقول أبو هاشم: "عندما ولدت طفلتي الأولى رابعة، كانت الظروف المعيشية لا تزال ممتازة. فاستأجرت منزلاً في لبنان وأحضرت زوجتي إلى لبنان لتلد في مستشفى خاص."



وعلى العكس، فقد وُلدت ابنتي شغف، التي لديها خمسة أشقاء، في حلب في الوقت الذي يعتمد فيه والداها على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.



لقد اضطررت إلى إخراج اثنين من أطفالي من المدرسة لأننا نحتاج إلى دخل للبقاء على قيد الحياة.



تحصل الأسرة كل شهر على قسيمة إلكترونية من برنامج الأغذية العالمي لشراء احتياجاتها من الأغذية. وقد حصلت نور زوجة أبو هاشم على هذا الدعم عندما كانت حاملاً، حتى تتمكن من تحسين تغذيتها، وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، يمكنها شراء مواد النظافة لمساعدة أسرتها على البقاء في أمان أثناء جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19). وتقول نور إنها اختارت شراء حفاضات لطفلتها، بالإضافة إلى الجبن والزيتون والبيض - وهي الأشياء الوحيدة التي في متناولها.

Aleppo
أطفال يلعبون في منطقة هنانو في حلب الشرقية عام 2017. تصوير: برنامج الأغذية العالمي/حسام الصالح

لكن الضغوط الاقتصادية - والقلب الذي يعتصر ألمًا - تتزايدان كل يوم. فقد بدأ الأطفال في جميع أنحاء سوريا الآن يدفعون ثمن التدهور الاقتصادي في البلاد.



يقول أبو هاشم: "اضطررت إلى إخراج اثنين من أطفالي من المدرسة لأننا نحتاج إلى دخل للبقاء على قيد الحياة. أنا بحاجة لتوفير الطعام لأسرتي، وهذه هي الأولوية الأكثر أهمية، وليس أي شيء آخر."



واليوم الذي التقينا فيه كان اليوم الثالث لعمل ابنه البالغ من العمر 15 عامًا كنجار. وكانت ابنته طالبة جيدة لكن الأسرة لم تكن قادرة على تحمل تكاليف الدفاتر والأقلام. وهي الآن ملازمة للمنزل وتساعد في رعاية أشقائها الصغار.

Abo Hashim stands with his older son in front of the crib he made himself for the new baby as he could not afford to buy one.
أبو هاشم مع ابنه عمران البالغ من العمر 11 عامًا، يستعرضان بفخر المهد الذي صنعه. الصورة: برنامج الأغذية العالمي/حسام الصالح

يقول أبو هاشم: "تُرى ما الذي تحمله الأيام القادمة لأولادي؟ أتوقع مما رأيناه أنه سيكون أسوأ، للأسف. إن زوجتي تزور والدتها وتحضر معها بعض الأغذية لتتمكن من إطعام الأطفال. يبدو أن الأيام القادمة لن تجلب لأولادي شيئًا سوى البؤس."

ويضيف: "ابني عمره عشر سنوات. ولا أسمح له بقضاء الوقت في الشارع - ليس لخطورة ذلك، وإنما لأنني أخشى أن يرى شيئًا فيعجبه ويطلبه ولا يمكنني شراؤه له."

في السابق، كنت بحاجة إلى 1000 أو 2000 ليرة سورية [حوالي 1.50 دولار أمريكي] للمعيشة اليومية. أما الآن، فنحن بحاجة إلى 20000 ليرة سورية، لذا يمكنك القول أن الصعوبات تضاعفت 10 أو 15 مرة.

 

"لا يمكنك وصف الألم الذي تشعر به عندما يكون طفلك جائعًا، أو عندما يشعر بالبرد، أو عندما لا تتمكن من تلبية احتياجاته المعيشية الأساسية. لا شيء يمكنه أن يصف هذا الألم."



لم تكن المساعدات الإنسانية بهذه الأهمية من قبل، فقد أصبحت الاحتياجات في جميع أنحاء سوريا أكبر من أي وقت مضى.



يقدم برنامج الأغذية العالمي كل شهر المواد الغذائية المنقذة للحياة إلى 4.8 مليون سوري. تحصل أكثر من 75000 من الأمهات الحوامل والمرضعات - مثل نور - على قسيمة طعام إلكترونية لشراء طعام صحي وتعزيز تغذيتهن خلال هذه الفترة الحرجة من حياتهن. وهذه هي أفضل فرصة للأطفال - مثل شغف - ليحصلوا على بداية صحية في الحياة، وليحدوهم الأمل في أن العقد المقبل في سوريا سيكون أفضل من العقد الماضي.

تعرف على المزيد حول عمل برنامج الأغذية العالمي في سوريا