أزمة الجوع في السودان: برنامج الأغذية العالمي يدعو إلى توفير التمويل وإيصال المساعدات الإنسانية لتجنب المجاعة
في مدينة بورتسودان الشرقية، حيث يبحث عشرات الآلاف من النازحين؛ بسبب الحرب عن مأوى، تعكس صور الأطفال الرضع الضعفاء ذوو الأذرع الرفيعة مدى ارتفاع مستويات سوء التغذية بشكل خطير. يكتظ عدد كبير من الناس يعانون الجوع بالمدارس وغيرها من مراكز الإيواء المؤقتة، ويتشبثون بممتلكاتهم الضئيلة من حياتهم القديمة. في جميع أنحاء السودان، ثالث أكبر دولة في أفريقيا من حيث المساحة، تسمع قصص حزينة لا حصر لها، حيث يكافح الملايين من أجل البقاء.
تجلس فوزية عبد الله آدم، وهي تحمي عينيها من الشمس، بينما تصف كيف فرت من منزلها الذي مزقته الحرب شمال العاصمة السودانية الخرطوم قائلة: "لقد فقدت منزلي، وعائلتي بأكملها. كل ما هو مهم فقدناه".
كانت فوزية محظوظة لبقائها على قيد الحياة. على مدى أكثر من عام، أدى الصراع في السودان إلى مقتل الآلاف وتشريد أكثر من 9 ملايين شخص، مما شكل أكبر أزمة نزوح في العالم. اليوم، يدفع الصراع هذا البلد الواقع في شرق أفريقيا إلى حافة المجاعة.
يواجه الآن أكثر من نصف سكان البلاد، أو حوالي 26 مليون شخص، انعدام الأمن الغذائي الحاد؛ أي ما يزيد بمقدار 14 مليون شخص عما كان عليه قبل الصراع. من بين هذا العدد، يكافح نحو 8.5 مليون شخص عند مستوى "الطوارئ"، وهو المستوى الرابع، وقبل الأخير من التصنيف المرحلي للأمن الغذائي وهو المقياس العالمية للجوع (مبادرة تعاونية تضم أكثر من 20 شريكا، بما في ذلك حكومات ووكالات للأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية).
يرسم التقرير الأخير، الذي نُشر اليوم (27 يونيو/حزيران)، صورة مثيرة للقلق لعدد يبلغ 755 ألف شخص يعانون "جوع كارثي"، وهو المستوى الخامس والأكثر خطورة لانعدام الأمن الغذائي في التصنيف المرحلي للأمن الغذائي.
يقول المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي في السودان، إيدي رو: "لم أشهد قط وضعاً يتدهور فيه وضع الأمن الغذائي تدريجياً إلى مستوى كارثي كل يوم. ومع ذلك، فإن هذا هو ما يحدث، خاصة في المناطق المتضررة من النزاع مثل منطقتي دارفور وكردفان وولاية الجزيرة وجنوب الخرطوم".
في الواقع، يمكن أن تتفاقم حالة الجوع بشكل حاد مع احتدام القتال وهطول الأمطار - حيث يبدأ "موسم الجوع" في شهر يونيو/حزيران، عندما تفقد مجتمعات واسعة النطاق إمكانية الوصول إلى الطرق والأسواق. إن تناقص التمويل ومحدودية وصول المساعدات الإنسانية يجعل المنظمات الإنسانية مثل برنامج الأغذية العالمي غير قادرة على الوصول إليهم.
والنتيجة هي "النزوح الجماعي المنتظم"، حيث يسافر الناس إلى مراكز متناثرة في جميع أنحاء البلاد، حيث يعرفون أنهم سيتمكنون من تلقي المساعدة.
يقول رو: "هذا أمر مخيف للغاية؛ لأنه بينما نبذل قصارى جهدنا للوصول إلى المواقع التي يصعب الوصول إليها، فإن صعوبة الوصول بسبب تغير خطوط الصراع على نحو دائم يمنعنا من مساعدة الناس".
يضيف: "نحن نعمل على توسيع نطاق استجابتنا لحالات الطوارئ لتجنب حدوث مجاعة كاملة وإنقاذ الأرواح قبل فوات الأوان. إنه سباق مع الزمن. نحن بحاجة إلى الوصول بدون قيود. لو توفر لدينا إمكانية الوصول والتمويل، فسنكون قادرين على تجنب المجاعة الكاملة".
يشعر رو بالارتياح من تأثير عمل برنامج الأغذية العالمي خلال العام الماضي، فالأرقام الجديدة للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي كانت مرشحة لأن تكون أعلى بكثير لو لم تصل المساعدات الغذائية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي إلى العديد من الأماكن التي وصل إليها. يقول رو: "على الرغم من كل التحديات، في ولايات دارفور، على سبيل المثال، تمكنا من الوصول إلى أكثر من مليون شخص بأكثر من 7500 طن متري من الغذاء".
تأتي أرقام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي في أعقاب سلسلة من التقارير المقلقة الأخرى. فقد أظهرت النتائج التي تم التوصل إليها في مايو/أيار أن ما يقرب من 3.7 مليون طفل سوداني دون سن الخامسة يعانون سوء التغذية الحاد، وأن 750 ألف طفل يعانون سوء التغذية الشديد.
يعود السبب وراء هذا الارتفاع إلى عدم إمكانية الحصول على الطعام المغذي، ومياه الشرب الآمنة، والصرف الصحي، وزيادة خطر الإصابة بالأمراض. لقد زادت جميع هذه العوامل المسببة لسوء التغذية بشكل حاد منذ اندلاع الصراع في السودان قبل أكثر من عام.
قام برنامج الأغذية العالمي بتوزيع المساعدات الغذائية والنقدية والغذائية على حوالي 6.8 مليون شخص، بما في ذلك أكثر من 3 ملايين دعمناهم هذا العام. الهدف هو الوصول إلى 5 ملايين آخرين بالمساعدات الغذائية بحلول نهاية عام 2024. يقول رو: "إذا كان لدينا إمكانية الوصول والتمويل، فإننا بحاجة إلى كليهما الآن".
بالنسبة لفوزية آدم، تعتبر مساعدة برنامج الأغذية العالمي بمثابة شريان حياة. بعد أن فقدت الاتصال بأسرتها، هربت أولاً إلى ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة بوسط السودان، والتي كانت ذات يوم سلة الخبز في السودان. عندما اجتاح القتال المدينة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، فرت مجددا، إلى بورتسودان هذه المرة على بعد مئات الكيلومترات.
تقول فوزية: "لقد قدموا لنا دقيق القمح والزيت والوجبات المغذية للأطفال"، مضيفة أن الأمهات حصلن أيضًا على هذا الطعام المدعم بالعناصر الغذائية الضرورية.
تلقت ابنة ماجدة آدم (لا علاقة لها بفوزية) العلاج قبل فوات الأوان. وقالت ماجدة لبرنامج الأغذية العالمي، وهي تحتضن طفلتها الصغيرة التي كانت ترتدي ثوباً أبيض مكشكشاً في مخيم للنازحين في بورتسودان: "لا أعرف ما الذي حدث لها، سواء كانت عدوى أو ملاريا أو حمى". لا تزال المدينة المطلة على البحر الأحمر واحة آمنة نسبية بعيدا عن القتال الدائر في أماكن أخرى من البلاد.
سافرت ماجدة وعائلتها مسافة 800 كيلومتر للوصول إلى هنا بعد سقوط قنبلة بالقرب من منزلهم في الخرطوم. بمجرد استقرارها، أخذت ماجدة ابنتها إلى مركز صحي يدعمه برنامج الأغذية العالمي. حيث كانت الفتاة مريضة جدًا لدرجة أنها لم تتمكن من المشي.
تقول: "لقد أخذوا قياساتها وأعطوها الفيتامينات وأخبروني أنها ضعيفة للغاية".
استعادت ابنة ماجدة عافيتها، وبدأت تمشي من جديد بفضل الرعاية والمكملات الغذائية الخاصة التي تلقتها. تقول ماجدة: "الحمد لله".
لكن الأطفال الآخرين قد ينتظرون تبعات أسوأ لهذا الصراع. سوء التغذية الحاد يهدد الحياة، إن احتمال وفاة الطفل الذي يعاني سوء التغذية يصل إلى 11 مرة أكثر من الطفل الذي يتمتع بتغذية جيدة. حتى الأطفال الذين يتعافون يواجهون آثارًا محتملة مدى الحياة على نموهم البدني والمعرفي، ومع حدوث انتكاسات أكثر شدة، فإن سوء التغذية يستمر لفترة أطول دون علاج.
كما تظهر على العديد من النساء الحوامل والمرضعات مستويات مثيرة للقلق من سوء التغذية. يقول إيدي رو، من برنامج الأغذية العالمي: "نحن على أعتاب فقدان جيل قادم بسبب سوء التغذية".
بينما يناشد رو الأطراف المتحاربة منح حق الوصول، مع التأكيد على مبادئ الحياد وعدم التحيز التي يسترشد بها عمل الجهات الإنسانية الفاعلة مثل برنامج الأغذية العالمي، فإنه يدعو الجهات المانحة إلى مواصلة العطاء بكرم. يقول: "اسمحوا لي بالتحفظ على عنصر التمويل. يجب أن يكون هناك تمويل "مرن" للسماح لنا بالتكيف مع أكثر طرق المساعدة فعالية وكفاءة، سواء كانت عينية أو نقدية، أو قدرتنا على الشراء محليًا، أو إجراء تحويلات نقدية في المناطق التي تعمل فيها الأسواق".
يضيف رو: "يشهد السودان أكبر أزمة جوع في العالم، وعلينا أن نتحرك الآن للوقوف إلى جانب الشعب السوداني في أصعب أوقاته".