Skip to main content

أزمة الجوع في السودان: كيف يتصدى البرنامج للمجاعة؟

رغم أن التوقعات لا تزال قاتمة، إلا أن الزيادة الكبيرة في المساعدات الغذائية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي على مدار عام كامل بدأت تؤتي ثمارها
, أزمة الجوع في السودان: كيف نغيّر مسار المجاعة؟
The back of food trucks with the WFP logo arriving at a desert displacement camp. Photo: WFP/Mohamed Galal
وصول مساعدات غذائية من البرنامج إلى مخيم للنازحين في طويلة، بولاية شمال دارفور، السودان. الصورة: برنامج الأغذية العالمي/محمد جلال

مع عودة مئات الآلاف من سكان الخرطوم إلى العاصمة السودانية التي مزقتها الحرب، كثّف برنامج الأغذية العالمي بشكل كبير من المساعدات الغذائية والتغذوية للوصول إلى أكثر الفئات احتياجاً. وحتى في أجزاء من دارفور وكردفان، حيث لا تزال المعارك مستمرة، تمكن البرنامج وشركاؤه الإنسانيون من إيصال المساعدات المنقذة للحياة إلى المحتاجين.


ورغم أن هذه الإنجازات محدودة، فإنها تؤكد قيمة الزيادة الكبيرة في المساعدات الغذائية التي نفذها البرنامج على مدار عام في بعض من أكثر المناطق معاناة من الجوع في السودان، وهو ما تدعمه نتائج تقرير جديد صادر عن خبراء. فالسودان لا يزال من بين أكبر أزمات الجوع في العالم، مع تأكيد وقوع مجاعة في منطقتين، لكن هناك مؤشرات مشجعة وفقًا لأحدث تصنيف مرحلي متكامل للأمن الغذائي (IPC)، المرجعية العالمية في تقييم الأزمات الغذائية.


وقال روس سميث، مدير قسم الاستعداد والاستجابة للطوارئ في البرنامج: "حيثما أُتيحت لنا إمكانية الوصول، تمكّنا من مضاعفة مساعداتنا ثلاث مرات في المناطق المهددة بالمجاعة. ونتيجة لذلك، شهدنا تحسنًا في الأمن الغذائي في تلك المناطق."
 

The arm of a small child being tested for malnutrition - with a band indicating red for severely malnourished - at a Khartoum nutrition centre. Photo: WFP/Mohamed Elamin
برنامج الأغذية العالمي كثّف المساعدات الغذائية في أماكن مثل الخرطوم، حيث عاد مئات الآلاف من النازحين السودانيين. الصورة: برنامج الأغذية العالمي/محمد الأمين

لا يزال الوضع الغذائي في السودان قاتمًا، إذ يواجه أكثر من 21 مليون شخص انعدامًا حادًا أو أسوأ في الأمن الغذائي، وفقًا لأحدث تقرير للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي. ويصنف نحو 375 ألف سوداني في المرحلة الخامسة (الجوع الكارثي) – وهي أعلى درجة في التصنيف. وقد تأكدت المجاعة في مدينتين مزقتهما أعمال العنف: الفاشر في الغرب وكادوقلي في الجنوب.


لكن التقرير أشار إلى تراجع الظروف الشبيهة بالمجاعة في تسع مناطق أخرى من البلاد – وهي المناطق التي تمكن البرنامج من إيصال المساعدات إليها. وبشكل عام، وجد التقرير أن هناك ثلاثة ملايين شخص أقل يعانون من الجوع الشديد مقارنة بالعام الماضي.


وقال سميث: "هذا دليل على أنه عندما تتوفر إمكانية الوصول والمساعدات المستمرة للمناطق المهددة، نرى تحسنًا بمرور الوقت. أما المناطق التي لا تزال تواجه المجاعة أو خطرها فهي تلك التي لم نتمكن من الوصول إليها."
 

زيادة كبيرة في المساعدات الغذائية
Men in white robes and turbans unload boxes of WFP food from a truck. Photo: WFP/Mohamed Galal
مساعدات برنامج الأغذية العالمي تصل الآن إلى أكثر من 4 ملايين شخص في السودان. ومع مزيد من التمويل، نأمل في مضاعفة هذا العدد. الصورة: برنامج الأغذية العالمي/محمد جلال

اليوم، تصل المساعدات الغذائية والتغذوية الطارئة التي يقدمها البرنامج إلى أكثر من 4 ملايين شخص شهريًا في السودان. وتشمل هذه المساعدات مكملات عالية السعرات للأمهات والأطفال الذين يعانون من سوء التغذية؛ بالإضافة إلى البقوليات والدقيق والملح والزيت النباتي للنازحين أو العائدين حديثًا؛ هذا إلى جانب التحويلات النقدية أو القسائم في المناطق التي تعمل فيها الأسواق؛ والتحويلات عبر الهاتف المحمول للأشخاص المتنقلين أو في أماكن يصعب الوصول إليها.


ومع توفر مزيد من التمويل وإمكانية الوصول، يمكن للبرنامج مضاعفة هذه المساعدات لتصل إلى 8 ملايين شخص شهريًا، مما يساعد على قلب مسار أزمة الجوع بشكل أكثر استدامة.


وقال سميث: "نحتاج إلى نهج متوازن في عملياتنا في السودان. فمن جهة، علينا العمل على منع وقوع المجاعة والاستجابة في المناطق التي تشهد نزاعًا نشطًا – والسعي نحو الوصول إلى المدنيين حيثما كانوا. ومن جهة أخرى، علينا دعم الظروف التي تتيح للناس العودة إلى منازلهم."


هذا يحدث بالفعل في مدينة الخرطوم وولاية الجزيرة المجاورة، حيث وصلت مساعدات البرنامج الغذائية والتغذوية إلى أكثر من مليون شخص بعد انحسار القتال. كثيرون يعودون إلى منازل وبنية تحتية مدمرة بعد أشهر من النزوح المتكرر.
وقالت ياسمين، إحدى السكان، وهي تحضر ابنها للعلاج في مركز تغذية تدعمه المنظمة في الخرطوم: "لا نحصل على وجبات بصفة منتظمة، لكننا على الأقل مازلنا على قيد الحياة."

A woman in a green patterned headscarf with a sad expression holds a small child. Photo: WFP
ياسمين أحضرت طفلها لتلقي العلاج في مركز تغذية تدعمه المنظمة في الخرطوم. الصورة: برنامج الأغذية العالمي

وقال كارل سكاو، نائب المدير التنفيذي للبرنامج، خلال زيارة حديثة للعاصمة: "الاحتياجات هائلة. نحن بحاجة إلى إتاحة الوصول بشكل كامل وغير مقيد إلى جميع المناطق في السودان، ونحتاج إلى تمويل مستدام ومرن."


وفي أجزاء أكثر أمانًا من شرق السودان، يعمل البرنامج مع مزارعي الحبوب والخضروات لزيادة الإنتاج، ومع المجتمعات الريفية لإعادة بناء مراكز توزيع المياه والمدارس والحدائق المجتمعية. وخلال موسم الزراعة، يزوّد البرنامج المزارعين بالبذور والأسمدة والآلات الزراعية لتعزيز إنتاج القمح والذرة والخضروات.


شهد هذا العام أيضًا انجازات كبيرة في الوصول إلى الأشخاص الجوعى في مناطق كانت معزولة بسبب النزاع، بما في ذلك جبال النوبة الغربية والمناطق المحيطة بمدينة الفاشر في شمال دارفور – وهما منطقتان ساهمت مساعدات البرنامج في تفادي ظروف المجاعة التي تأكدت فيهما العام الماضي.


لكن وسط هذه النقاط المضيئة، لا تزال المجاعة قائمة.
 

الغذاء والسلام لا غنى عنهما
A man in a green T-shirt shoulders a bag of WFP food. Photo: WFP/Mohamed Galal
في أكتوبر/تشرين الأول، تمكن البرنامج وشركاؤه من إيصال مساعدات إنسانية إلى مدينة كادوقلي المحاصرة، حيث تأكدت المجاعة مؤخرًا. الصورة: برنامج الأغذية العالمي/محمد جلال

التحدي الأكبر يتمثل في الوصول إلى الأشخاص الجوعى في المناطق التي يشتد فيها القتال، بما في ذلك مدينة كادوقلي المحاصرة، عاصمة ولاية جنوب كردفان، حيث تأكدت المجاعة مؤخرًا.


قال سعد، أحد موظفي البرنامج الذي بقي في كادوقلي منذ بداية الحرب رغم المخاطر: "الناس يقضون أيامًا كاملة دون طعام – أو يعتبرون أنفسهم محظوظين إذا تناولوا شيئًا واحدًا في اليوم." وأضاف: "كنا نقول إننا نأكل المال لأن الأسعار ارتفعت بشكل جنوني؛ كل ما نملك من نقود كان ينفق فقط على شراء الطعام."

 

A crouched women in a colourful gown and headscarf holds a plastic bag of WFP food assistance at a distribution point in Kadugli, Sudan. Photo: WFP/Mohamed Elamin
المساعدات الإنسانية في كادوقلي كان لها أثر فوري في خفض أسعار الغذاء وتقليل مستويات الجوع. الصورة: برنامج الأغذية العالمي/محمد الأمين


لكن في أكتوبر/تشرين الأول، تمكن البرنامج وشركاؤه في الأمم المتحدة من إيصال مساعدات إنسانية إلى كادوقلي ومدينة ديلين المحاصرة. ورغم الرحلة الطويلة والمحفوفة بالمخاطر، وصلت قافلة إنسانية مشتركة تحمل الغذاء والمكملات الغذائية والمنتجات الصحية وغيرها من الإمدادات الأساسية لعشرات الآلاف من الأشخاص.


وقال سعد: "كان تأثير هذه المساعدات فوريًا، إذ انخفضت أسعار الغذاء وقلّت مستويات الجوع." وأضاف: "لكن هناك الكثير من الناس بحاجة إلى المساعدة. قافلة واحدة لا تكفي."


 وقالت مارينا ووكر، المديرة القطرية بالإنابة لبرنامج الأغذية العالمي في السودان: "إذا ضُمنت لنا ممرات آمنة، فإننا عازمون على التحرك مرارًا وتكرارًا للحفاظ على تدفق المساعدات والوصول إلى السودانيين الذين يواجهون احتياجات غذائية شديدة."

A WFP employee sporting a blue T-shirt works for women farmers in eastern Sudan, with their crops in the foreground. Photo: WFP/Abubakar Garelnabei
في أجزاء أكثر أمانًا من شرق السودان، يعمل البرنامج مع المزارعين والمجتمعات الريفية لزيادة الدخل. الصورة: برنامج الأغذية العالمي/أبوبكر جارالنبي

في مدينة الفاشر التي ضربتها المجاعة، دعم البرنامج عشرات الآلاف من الأشخاص من خلال التحويلات النقدية عبر الهاتف المحمول – وهو نظام سمح باستمرار المساعدات حتى عندما كانت المدينة تحت الحصار. كما يتيح لنا هذا النظام مواصلة دعم الأشخاص الفارين من العنف المروع الذي ضرب الفاشر في وقت سابق من هذا الشهر.


كثير من سكان المدينة السابقين لجأوا إلى مخيم النازحين في طويلة، الواقع على بعد نحو 80 كيلومترًا. وقالت فايث أوينو، مسؤولة البرامج في البرنامج من طويلة: "القصص في هذا المخيم مفجعة. مئات الآلاف من الأشخاص فرّوا من عنف لا يوصف."


منذ مارس/آذار، كثّف البرنامج مساعداته الغذائية في طويلة ليصل إلى نحو نصف مليون شخص. ونحن الآن نزيد جهودنا للوصول إلى 200 ألف شخص إضافي ممن تمكنوا من الفرار من الفاشر.
 

A wide shot of makeshift cloth tents surrounded by desert that comprises Tawila displacement camp, in Sudan's North Darfur State. Photo: WFP/Mohamed Galal
مخيم النزوح في طويلة بولاية شمال دارفور. الغذاء ضروري، كما قال أحد السكان، لكن السلام لا يقل أهمية. الصورة: برنامج الأغذية العالمي/محمد جلال

وقالت خديجة، وهي أم فقدت ممتلكاتها في الطريق إلى المخيم: "الأطفال بحاجة إلى ملابس، وأوعية للماء، وأدوات للطهي، وموقد تقليدي. نحن بحاجة أيضًا إلى الغذاء."


أما جيديا، وهي أم أخرى تروي قصتها وهي تحتضن طفلها، حكت كيف تنقلت أسرتها بين أماكن مختلفة بحثًا عن مأوى بينما كان القتال يشتد حول الفاشر، قبل أن يلحق بهم العنف ويقتل زوجها وأربعة من أطفالها. وقالت: "تلقينا في طويلة الذرة، والملح، والزيت، والبسكويت الغني بالطاقة من البرنامج."


وأضافت: "الغذاء ضروري، لكن هناك شيء آخر لا يقل أهمية: السلام." واختتمت حديثها قائلة: "أتمنى أن يسود السلام في كل أنحاء السودان."
 

تعرف على المزيد عن عمل برنامج الأغذية العالمي في السودان 

الآن هو الوقت المناسب
لاتخاذ خطوة

يعتمد برنامج الأغذية العالمي على المساهمات الطوعية بالكامل لذا فإن لكل تبرع قيمته
تبرّع الآن