سوريا في أزمة: تخفيض الحصص الغذائية سيعرّض الملايين للجوع الشّديد
اعتبارًا من تموز/يوليو سيجبر التمويل المتناقص بسرعة برنامج الأغذية العالمي على خفض المساعدات الغذائية والنقدية لحوالي نصف المستفيدين البالغ عددهم 5.5 مليون الذين يدعمهم البرنامج في سوريا. هذا التحرك هو بمثابة حل أخير سيؤثر بشدة على حوالي 2.5 مليون شخص يعتمدون على الحصص التي بلغ حجمها أصلاً نصف الحصة الغذائية القياسية والتي بالكاد يعيشون عليها.
إن ارتفاع الكلفة التشغيلية لبرنامج الأغذية العالمي إضافة إلى الاحتياجات المتزايدة للناس يجعلان الحفاظ على المستوى الحالي من المساعدة أمرًا مستحيلًا بعد شهر أكتوبر/تشرين الأول. في بلدان مثل أفغانستان وبنغلاديش وتشاد ومالي وفلسطين وتنزانيا واليمن كان على المنظمة اتخاذ إجراءات تخفيض شديدة.
في سوريا يحتاج برنامج الأغذية العالمي بشكل عاجل إلى 180 مليون دولار أمريكي كحد أدنى لتجنب هذه التخفيضات والاستمرار بتقديم المساعدات الغذائية بمستواها الحالي حتى نهاية العام.
يقول ماهر في عيادة للتغذية في دير الزور: " نحن نعيش في أزمة منذ 12 عامًا من الحرب والنزوح والتدهور الاقتصادي. لا أعتقد أن العالم شهد أزمة مماثلة منذ الحرب العالمية الثانية. إن الحياة صعبة بما يفوق التصور.
تتلقى أسرة ماهر مساعدات غذائية من برنامج الأغذية العالمي منذ 2018. اثنان من أبنائه الأربعة يعانيان من سوء التغذية "يقول عن ابنته ليان أنه تم فحص عظامها في المشفى وأظهرت النتائج أن نموها يماثل نمو طفلة في الخامسة من عمرها في حين أنها تبلغ العاشرة من العمر."
تقول معلمة ليان أنها تعاني من مشاكل في الذاكرة والتركيز في الصف .زوجة ماهر تعاني أيضا من سوء التغذية وفقر الدم.
يقول ماهر: "سيؤثر تخفيض المساعدات على أبنائي الذين هم في حالة سيئة أصلاً، فما بالك لو حرمناهم دقيق القمح والمخبوزات و الأرز." قبل الأزمة كان لدي عمل في منشأة بترولية لكنها تعرضت للتدمير."
في 2010 كان دخل ماهر الشهري حوالي 400 دولار أمريكي (20,000 ليرة سورية) و الآن يبلغ دخله حوالي 14 دولار فقط.
و يضيف :"يجب أن نتناول ثلاث وجبات في اليوم لكننا قللنا العدد إلى وجبتين, نؤجل الإفطار بقدر المستطاع ثم نتناول الغداء في الساعة 6 مساء وبهذه الطريقة نوفر وجبة.
في عامي 2018 و 2019 كانت الحصة الغذائية المقدمة من برنامج الأغذية العالمي كبيرة. في بعض الأحيان كانت تأتي مع الفاصوليا والمعكرونة والأطعمة المعلبة. كانت تحتوي على المزيد من الزيت، 5 لترات ،المزيد من الأرز ، 10 كجم. ولكن على مدار العامين الماضيين ، تقلص حجمها بشكل تدريجي. لم نعد نتلقى المعكرونة أو الفاصوليا ، كما تم تقليل الأرز والزيت"
ويساور برنامج الأغذية العالمي قلق عميق إزاء تأثير مثل هذه التخفيضات على الأسر التي تعتمد إلى حد كبير على مساعداته الغذائية. مع شح فرص كسب العيش التي من شأنها تخفيف حدة الضربة، فإن أولئك الذين سيتم إبعادهم من تلقي المساعدات سيواجهون صعوبات لا يمكن تصورها.
كل شهرين، يتلقى ماهر 4 لترات من الزيت، وكيساً من دقيق القمح، و 4 كجم من السكر، و4-5 كجم من الأرز وكيساً من الحمص. يقول "زوجتي تقتصد في الطعام ليدوم أكثر" ، ومع ذلك ، فإن الطعام يستمر فقط لمدة شهر أو أقل.
برنامج الأغذية العالمي يضطر لتخفيض عملياته في سوريا عشية انعقاد مؤتمر بروكسل السابع حول "دعم مستقبل سوريا والمنطقة
نحاول تدبير الأمر [عندما لا توجد حصص مساعدة]. نسلق البطاطس أو نشوي الباذنجان حتى لا نحتاج إلى زيت أو سمن. علينا أن نكون مقتصدين حتى نعيش بما هو متاح."
يستخدم برنامج الأغذية العالمي بيانات الاحتياج لتحديد من يحصل على الأولوية للمساعدة الغذائية. الأشخاص الذين يتم إزالتهم من لائحة المساعدة ستتاح لهم الفرصة للاعتراض .
ويضيف ماهر: "من الصعب إدارة حياتنا بدون المساعدات الغذائية". "على الرغم من أنها قليلة، إلا أن العيش بدونها صعب".
إلى جانب الإغاثة الإنسانية الفورية، ستتطلب تلبية احتياجات السكان السوريين تدخلات طويلة الأجل للتعافي المبكر وجهدًا مستدامًا لتعزيز السلام والاستقرار.
منذ عام 2015 ، زادت مستويات انعدام الأمن الغذائي في سوريا بأكثر من 50 في المائة (من 8 إلى 12.1 مليون شخص) من أصل أكثر من 20 مليون نسمة. شهد انعدام الأمن الغذائي الناجم عن الصراع في سوريا تفاقماً في السنوات الأخيرة بسبب الأحداث العالمية مثل الانهيار الاقتصادي في لبنان، ووباء كوفيد19 والحرب في أوكرانيا، وزلازل فبراير.
مع انخفاض الليرة السورية إلى مستويات غير مسبوقة، شهد الربع الأول من هذا العام ارتفاعًا في سعر سلة الغذاء القياسية من الضروريات بنسبة 10٪ أي ما يقرب من أربعة أضعاف متوسط ما يتقاضاه معلم في مدرسة.
وفي الوقت نفسه، أبلغ موظفو برنامج الأغذية العالمي على الأرض عن تزايد الغضب والإحباط بين الأشخاص الذين يخدمهم البرنامج، كما نقلوا صورة صارخة للضغوط التي يواجهونها.
قالت إحدى المراقبات الميدانيات: "قد يلجأ الناس إلى تزويج بناتهم مبكرًا، أو إخراج أطفالهم من المدرسة للعمل، وبصراحة قد تتعرض النساء للإيذاء أو يجدن أنفسهن مجبرات على العمل في مجال الجنس أو يتعرضن لاستغلال الجنسي."
لا يجد ماهر مجالاً كبيراً للتفاؤل، مثله مثل الكثير من الآباء "حالتنا سيئة بالفعل، فتخيل كيف ستبدو بدون مساعدة غذائية. ننتظر المكالمة الهاتفية كل شهرين للذهاب واستلام الحصة الغذائية. إذا توقفت، لا أدري ما الذي سأفعله."