الحرب في أوكرانيا: كيف يجلب مشروع لإزالة الألغام الأمل للمزارعين بعد مرور عامين
أحكم الشتاء بقبضته الجليدية على قرية كاميانكا شرق أوكرانيا. ولكن منذ وقت ليس ببعيد، كان فولوديمير كورنيتش وزوجته ليودميلا يتطلعان إلى زراعة موسم الربيع.
على مدى ما يقرب من ربع قرن، وسع الزوجان أعمالهما الزراعية ببطء، حيث زرعا مزيجًا من الحبوب والخضروات والبطيخ، إلى جانب تربية الدجاج والأبقار والخنازير.
لكن اليوم، توقف عملهما. ليس بسبب الطقس القاسي، بل بسبب الألغام الأرضية. يقول كورنيتش: "في هذه القرية، لا يمكننا أن نشعر بالأمان إلا في فناء منزلنا. عندما تخرج، هناك خطر في انتظارك".
مع دخول أوكرانيا عامها الثالث من الحرب، تخطت البلاد أفغانستان وسوريا لتصبح الدولة الأكثر تضررا من الألغام في العالم. يوجد هناك حوالي 25,000 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية المليئة بالألغام وغيرها من الحطام الخطير الناجم عن الصراع، والذي أدى حتى الآن إلى مقتل وتشويه مئات الأشخاص.
بعيداً عن المخاطر التي تهدد حياة البشر، تهدد الألغام الأرضية هذه القوة الزراعية التي ظلت لفترة طويلة من أكبر مُصدري الحبوب، مما ساهم في رفع أسعار الحبوب عالميًا ومعها معدلات الفقر.
المزارعون أصحاب الحيازات الصغيرة مثل كورنيتش يتعرضون للتهديد على نحو خاص، وكذلك المسؤولون عن معظم إنتاج الألبان والماشية والفواكه والخضروات في البلاد، ممثلين نحو ثلاثة أرباع القوة العاملة في إنتاج الغذاء. لقد أوقف العديد منهم إنتاجه أو خفضه، وكلهم تقريباً يعيشون على إيرادات متضائلة.
تم تطهير جزء صغير من أراضي كورنتيش أخيرًا، وذلك بفضل مشروع مشترك لإزالة الألغام يديره برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، بدعم من منظمة سويس دي ديميناج غير الحكومية التي تتخذ من جنيف مقراً لها.
من خلال التركيز على أصحاب الحيازات الصغيرة الذين يزرعون أقل من 300 هكتار من الأراضي مثل كورنيتش، بالاضافة الى الأسر الريفية التي تزرع المحاصيل لاستهلاكها الخاص، يتم تنفيذ البرنامج في البداية في منطقة خاركيف الشرقية، مع خطط للتوسع في اثنتين من المناطق الزراعية الكبرى الأخرى في أوكرانيا وهما ميكوليف وخيرسون.
تقول المديرة القطرية المؤقتة لبرنامج الأغذية العالمي في أوكرانيا ماريان وارد: "من خلال إعادة استخدام الأراضي الملغومة في الإنتاج، يمكننا المساعدة على استعادة سبل العيش الزراعية، وبذلك نتخلص تدريجيًا من الحاجة إلى المساعدة الإنسانية لآلاف الأسر الريفية".
وظائف إضافية وآمال جديدة
يتم تنفيذ مشروع إزالة الألغام المشترك بين برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة بالتعاون الوثيق مع المجتمعات الريفية والسلطات الأوكرانية، كجزء من جهد حكومي أوسع لتطهير مساحات شاسعة من الأراضي المزروعة بالألغام. إن الهدف والتكلفة ليسا بالهينين، يقدر البنك الدولي أن التكلفة قد تتجاوز 37 مليار دولار.
لكن إزالة الألغام تجلب أيضاً عوائد مالية كبيرة. ويركز المشروع على أصحاب الحيازات الصغيرة ويمكنه أن يوفر ما يصل إلى 60 مليون دولار أمريكي في صورة مساعدات غذائية مباشرة للمجتمعات الريفية، مثل أولئك الذين يعيشون في كاميانكا والذين يكافحون من أجل توفير الغذاء وغيره من الضروريات الأساسية.
يقول رئيس إدارة منطقة إيزيوم المحلية التي تضم كاميانكا، ماسلسكي إيفانوفيتش: "إن إزالة الألغام ستضمن الوصول إلى أراضي العديد من الأسر التي تزرع المحاصيل لاستهلاكها الخاص، وكذلك للمزارعين الذين يبيعون منتجاتهم لكسب لقمة العيش. يمكن هذا أن يوفر فرص عمل، ولكنه يزيد أيضًا من ميزانية المجتمعات الإقليمية في المنطقة".
يستخدم المشروع المشترك بين برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة صور الأقمار الصناعية للكشف عن مناطق الألغام، ثم يرسل فرقًا متخصصة لمسحها وتطهيرها مع إعطاء الأولوية للمناطق الإنتاجية التي يمكن استعادتها بسرعة وأمان. تقوم الفاو أيضاً بتقييم الاحتياجات الأسر وتقدم المساعدة المالية للمشاركين الذين أفقرتهم الحرب.
تقول مسؤولة سياسات برنامج الأغذية العالمي في خاركيف نينا ياروش: "هذه فرصة لإنقاذ تلك القرى في أوكرانيا التي تعرضت للخراب والتدمير وإعادة الحياة إليها".
في كاميانكا، غادر العديد من جيران كورنيتش القرية بحثًا عن أماكن أكثر أمانًا، وأصبح آخرون ضحايا لهذه الحرب.
يقول كورنيتش: “لدينا أناس جُرحوا وآخرون بلا أمل، وأشخاص فقدوا الأمل في أن السير هنا سيكون آمنًا يومًا ما".
أما أولئك الذين بقوا فيعيشون بموارد متضائلة. تعيش عائلة كورنيتش بدون تدفئة أو كهرباء أو غاز، وقد غادر أحد عماله الثلاثة في المزرعة.
مع ذلك، فهو يتلقى الاتصالات من الأصدقاء والجيران الذين شردتهم الحرب للسؤال عن التقدم الذي تحقق في إزالة الألغام، حيث إنهم حريصون على العودة. يقول كورنيتش: "لقد قالوا لي أنهم سيزرعون وسيعيدون البناء هنا ولا يريدون أن يغادروا بعد الآن".
تيتيانا لوكيانكو هي مزارعة محلية أخرى من كاميانكا. عادت لوكيانكو إلى منزلها في شهر مارس الماضي بعد أن غادرت في وقت مبكر من الحرب.
تقول لوكيانكو: "لقد عثرت على قنبلتين يدويتين في قبو منزلي، واحدة في الفناء، وواحدة أخرى في حديقة الزهور".
لوكيانكو مدرجة أيضًا في قائمة مشروع إزالة الألغام المشترك بين برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة. وعلى الرغم من الصراع الدائر، إلا أنها متفائلة بالمستقبل.
تقول لوكيانكو: "أعتقد أن القرية سوف تنتعش. إنها قرية جميلة جدًا".
يتم تمويل مشروع الإجراءات المتعلقة بالألغام الذي ينفذه برنامج الأغذية العالمي لاستعادة سبل العيش الريفية في أوكرانيا من قبل كرواتيا وجمهورية التشيك والاتحاد الأوروبي وفنلندا وفرنسا والنرويج وبولندا والجهات المانحة الخاصة وصندوق أوكرانيا الإنساني (UHF).