برنامج الأغذية العالمي ينقذ مخزوناً هائلاً من القمح على خطوط المواجهة في اليمن
حدث ذلك في شهر سبتمبر/أيلول من عام 2018، وكانت الحرب الدائرة آنذاك في اليمن تدفع بالملايين إلى السقوط في دائرة الجوع والفقر. اشتعل القتال العنيف طوال الصيف في مدينة الحديدة الساحلية التي تمثل الشريان الرئيسي لاستيراد المواد الغذائية التجارية والإنسانية إلى اليمن. وقد قطعت خطوط المواجهة التي لا تستقر على حال جميع سبل الوصول إلى مجمع الصوامع الضخم، ومطاحن البحر الأحمر، حيث تم تخزين 51 ألف طن متري من حبوب القمح خاصة ببرنامج الأغذية العالمي.
"لقد أصبحت مطاحن البحر الأحمر تمثل رمزا للتحديات العديدة التي نواجهها من عدة جهات ونحن نعمل بلا كلل في اليمن لإيصال الغذاء لمن هم في أمس الحاجة إليه".
وفي تلك الأثناء، أصبح الوصول إلى المواد الغذائية - التي تكفي لإطعام ما يقرب من 4 ملايين شخص - متعذرًا فجأة في الوقت الذي كان فيه برنامج الأغذية العالمي يوفر الغذاء لنحو 8 ملايين شخص كل شهر في محاولة للحيلولة دون سقوط اليمن في هاوية المجاعة.
وخلال الأسبوع الماضي تم نقل شحنة الحبوب الأخيرة من مطاحن البحر الأحمر. وبانطلاق هذه الشاحنة الأخيرة من منشأة الطحن الضخمة، ينتهي السباق مع الزمن لإنقاذ القمح وإيصاله إلى الأسر التي تحتاج إليه بشدة.
قصة تفاني في العمل
يحمل كل جوال من الدقيق تم إنقاذه من عند خطوط المواجهة في اليمن قصة إصرار وتفاني ونجاح في ظل أزمة تزداد سوءًا.
قال ماثيو دي، رئيس سلسلة التوريد التابعة لبرنامج الأغذية العالمي في اليمن: "في كل مرة يرن فيها هاتفي في منتصف الليل، كان يخفق قلبي خوفًا من حدوث شيء ما في المطاحن. قام الفريق بعمل رائع في ظروف صعبة للغاية لإخراج دقيق القمح هذا من مطاحن البحر الأحمر".
لقد استغرق برنامج الأغذية العالمي خمسة أشهر وقام بالعديد من المهام الخطرة عبر خطوط المواجهة التي لا تهدأ لاستئناف الوصول إلى مجمع الصوامع الحيوي بعد تعذر الوصول إليه في سبتمبر/أيلول 2018. وكلما مر أسبوع، يزداد قلق زملائي من خسارة القمح. ومن الجدير بالذكر أن مدينة الحديدة، الواقعة على ساحل البحر الأحمر اليمني، مناخها حار ورطب طول العام، وهي ظروف صعبة لتخزين القمح في أفضل الأوقات، ناهيك عن أنها منطقة حرب لا تهدأ.
تمكن أحد الفرق أخيراً من بدء العمل في المطاحن في مايو 2019. واستغرق الأمر خمسة أشهر أخرى لتشغيل المطاحن، التي تعرضت للقصف وقذائف الهاون، مرة أخرى، وتم إصلاح المولد أولاً ثم معدات الطحن لطحن الحبوب إلى دقيق جاهزة للتوزيع على الأسر. ومن خلال التعاون مع القطاع الخاص، تم استئناف الطحن أخيرًا في سبتمبر/أيلول 2019.
قال علي رضا قريشي، نائب المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي في اليمن: "أصبحت مطاحن البحر الأحمر في نواح كثيرة رمزًا للعديد من التحديات التي نواجهها حيث نعمل بلا كلل في اليمن لإيصال الغذاء لمن هم في أمس الحاجة إليه. وأنا فخور للغاية بأن المطاحن أصبحت الآن رمزًا لنجاح برنامج الأغذية العالمي في العمل في واحدة من أكثر حالات الطوارئ تعقيدًا في العالم."
على بعد بضع مئات من الأمتار من خط المواجهة الذي لا يهدأ، تمكن الفريق في مطاحن البحر الأحمر منذ ذلك الحين من طحن وإرسال أكثر من 740 ألف جوال من الدقيق على مدار الأشهر التسع الماضية. كل يوم تقريبًا منذ أواخر سبتمبر 2019، غادرت الشاحنات مجمع الصوامع حاملة المساعدات الإنسانية الحيوية. لقد عبرت الخطوط الأمامية مرات لا حصر لها لإخراج الدقيق من المنطقة المحاصرة وإيصاله إلى من هم في أمس الحاجة إليها.
"في الوقت الذي نفكر فيه في إجادة العمل في مطاحن البحر الأحمر، فإننا نتطلع على الفور إلى التحدي التالي".
قال لوران بوكيرا، المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي في اليمن: "كانت الوقت يمضي، وكنا في سباق مع الزمن. ولكن هذا ما يفعله برنامج الأغذية العالمي في الحروب والكوارث والأزمات في جميع أنحاء العالم. إن فريق برنامج الأغذية العالمي من المسؤولين اللوجستيين ومديري المستودعات والناقلين وزملائنا اليمنيين والدوليين يعملون على مدار الساعة لإيصال المواد الغذائية إلى المحتاجين رغم كل الصعوبات. في حين أننا نفكر في إجادة العمل في مطاحن البحر الأحمر، إلا أننا نتطلع على الفور إلى التحدي التالي".
اليمن، وتحدٍ لا ينتهي لإنقاذ الأرواح
لا يزال اليمن يعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم. هذا هو اللقب الذي اكتسبته دولة اليمن في أواخر عام 2018، عندما شهد اليمن النزاعات والانهيار الاقتصادي الذي دفع بالملايين إلى حافة الهاوية. واستجابة لذلك، قام البرنامج بزيادة المساعدات الغذائية الطارئة بشكل كبير في عام 2019، ووسع نطاق الدعم من 8 ملايين شخص إلى ما يقرب من 13 مليون شخص. وبذلك تمكن برنامج الأغذية العالمي من تحقيق استقرار الوضع، وإنقاذ الفئات الأشد يأسًا من المجاعة والحيلولة دون تزايد أعداد الذين أوشكوا على السقوط نحو هذا الاتجاه.
لكن الوضع الإنساني يتدهور بمعدل ينذر بالخطر مرة أخرى حيث يواجه اليمن أزمة على جبهات متعددة. فقد انخفضت واردات المواد الغذائية وتتزايد أسعار المواد الغذائية. وقيمة الريال اليمني تنهار واحتياطيات العملات الأجنبية تقترب من النفاد التام. بالإضافة إلى ذلك، حدث تصعيد آخر للقتال ويتسع نطاق انتشار جائحة كورونا دون رادع في جميع أنحاء البلاد. إن المساعدات الغذائية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي هي الشيء الوحيد الذي يمنع الشعب اليمني من مواجهة مستويات الجوع التي قد تؤدي لشلل الحياة.
كل هذا يحدث في وقت تراجع الموارد المنهكة على نحو متزايد. لقد كان إنقاذ الدقيق من مطاحن البحر الأحمر أمرًا حيويًا للتأكد من استمرار الملايين من الأطفال والنساء والرجال اليمنيين في تلقي المساعدات الغذائية التي يعتمدون عليها من أجل البقاء. يعمل برنامج الأغذية العالمي في اليمن على زيادة الموارد قدر الإمكان لإبقاء تشغيل شبكة الأمان الحالية. والوكالة حاليًا في حاجة ماسة إلى مبلغ يصل إلى 737 مليون دولار أمريكي لتتمكن من الاستمرار في تقديم الأغذية إلى هذه الأسر على مدار الأشهر الست المقبلة. وقد يزداد الوضع في اليمن سوءًا إذا تأخر العمل الإنساني.
تبرع لمساعدة برنامج الأغذية العالمي على إنقاذ الأرواح وتغيير الحياة في اليمن