كيف جاء التبرع بالأسمدة للبلدان الأفريقية في التوقيت المناسب
يعيش تسعة وأربعون مليون شخص في 49 بلدًا على حافة السقوط في هاوية المجاعة، وتفوق الاحتياجات العالمية للمساعدات الإنسانية أي وقت مضى؛ إذ يؤدي ارتفاع تكاليف الغذاء والوقود إلى تفاقم المحنة التي يعاني منها أشد سكان العالم فقرًا، والذين تضرر العديد منهم بالفعل جراء النزاعات وتغير المناخ.
ومما يزيد من محنة هؤلاء الفقراء، أن العالم يقف في خضم "أزمة الأسمدة"، فقد ارتفعت أسعار الأسمدة بنسبة 199 في المائة منذ شهر مايو/أيار 2020، وبينما كانت هذه الزيادة جزئيًا نتيجة للحرب في أوكرانيا، فقد وصلت أسعار المواد الغذائية والوقود والأسمدة بالفعل إلى مستويات قياسية بحلول نهاية عام 2021.
إن الأسمدة ضرورية لتحسين إنتاج الغذاء، ومع اقتراب مواسم الزراعة في معظم أنحاء العالم، فمن الأهمية بمكان أن يحصل جميع المزارعين على الأسمدة التي يحتاجونها بسرعة وبأسعار في متناول الجميع.
وفي عام 2022، واجه العالم أزمة ارتفاع الأسعار، وعلى الرغم من وجود الأغذية الكافية، إلا أنها كانت تُعرض بالسعر الخطأ وفي المكان الخطأ، مما يعني أن الفقراء لا يستطيعون تحمل تكلفة شرائها. وفي عام 2023، قد تكون هناك أزمة كبيرة في توافر الغذاء إذ تؤدي أزمة الأسمدة العالمية والصدمات المناخية والنزاعات إلى قلب إنتاج الغذاء رأسًا على عقب.
وبالتالي يتعرض الأمن الغذائي لنحو 50 في المائة من سكان العالم، الذين يعتمدون على الغذاء المنتج بمساعدة الأسمدة المعدنية، للخطر.
ومن المتوقع أن ينخفض الإنتاج العالمي للذرة والأرز وفول الصويا والقمح بنسبة 2.4 في المائة في عام 2022، بسبب نقص الأسمدة، وفقًا لتحليلات منصة Gro Intelligence، وهي منصة تحليلات يقع مقرها في مدينة نيويورك. ومن ناحية السعرات الحرارية، فإن هذا القدر يكفي لإطعام 282 مليون شخص لمدة عام واحد، وذلك وفقًا لتقديرات برنامج الأغذية العالمي.
وتعد روسيا مُصدِّرًا كبيرًا لثلاث مجموعات رئيسية من الأسمدة - النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم (NPK) - وتلعب دورًا حيويًا في ضمان إنتاج غذائي كافٍ للعام المقبل، لكن الحرب في أوكرانيا أدت إلى خفض إمدادات الأسمدة المخصصة لسكان البلدان الواقعة على الخطوط الأمامية لأزمة الغذاء العالمية.
وفي تطور يستحق الترحيب، أعلنت شركة Uralchem-Uralkali الروسية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني عن نيتها التبرع بنحو 260 ألف طن متري من أسمدة النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم (NPK)، العالقة في الموانئ في أوروبا، كمساعدات إنسانية.
وعلاوة على ذلك، وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني، وباسم حكومة ملاوي، غادرت السفينة MV Greenwich، التي استأجرها برنامج الأغذية العالمي، ميناء تيرنوزن الهولندي وهي محملة بنحو 20 ألف طن متري من الأسمدة، وفي طريقها إلى ملاوي عبر موزمبيق.
ويقول الخبير الاقتصادي في وحدة تحليل الاقتصاد والسوق في برنامج الأغذية العالمي ستيفان ماير،: "من المهم العمل على حل أزمة الأسمدة الحالية."
ونظرًا لتزايد عدد سكان العالم وعدم كفاءة أنظمة الغذاء العالمية، مثل هدر وخسارة كميات هائلة من الأغذية، تكمن المشكلة في أنه "يتعين علينا إنتاج ما يكفي من الأراضي المتاحة - فالأرض محدودة - والأسمدة عنصر مهم في ذلك"، وفقًا لستيفان.
ويوضح ماير: "يستخدم الكثير من المزارعين الأسمدة بشكل أقل، ولا سيما في البلدان النامية، ويواجه صغار المزارعين مشاكل في شراء الأسمدة، وقد يعني ذلك انخفاض الإنتاج في المواسم الحالية والمقبلة."
ويرى ماير أن المزارعين يواجهون خيارين لا ثالث لهما: إما ترك "أراضيهم دون زراعة في الوقت الحالي أو التحول إلى إنتاج محاصيل أخرى - وسيؤثر كلا الخيارين على الإمدادات الغذائية في هذه البلدان."
وسيساعد تبرع شركة Uralchem-Uralkali الروسية بالأسمدة في مواجهة الأزمة، ومع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، من المرجح أن يرغب المزارعون في توسيع نطاق إنتاجهم من المواد الغذائية - ولكن مع ارتفاع الأسعار فمن المحتمل أن يواجهوا صعوبة في تحمل تكاليف كميات كافية من الأسمدة، مما يعني انخفاض غلاتهم الزراعية.
ويبدو أن تداعيات الوضع على قارة أفريقيا مثيرة للقلق بشكل خاص، فقد ارتفعت أسعار الأسمدة تبعًا للاتجاهات الدولية؛ إذ تضاعفت بمقدار يتجاوز الضعف في كل من كينيا وأوغندا وتنزانيا.
وبما أنه من المرجح أن يُفضل المنتجون وتجار الأسمدة العالميين شحن الإمدادات المحدودة إلى الأسواق الأكبر حجمًا، فمن المرجح أن تكون العديد من البلدان الأفريقية، التي تعاني بالفعل من انخفاض استخدام الأسمدة، هي الأشد تضررًا من هذا النقص.
وبالإضافة إلى ذلك، تركز العديد من مصانع الأسمدة في إفريقيا على مزج المكونات المستوردة لتوفير المركبات المطلوبة، ويمكن أن يؤدي إلغاء أو تأخير تسليم أحد المكونات إلى تعطيل العملية بأكملها، مما يحرم المزارعين من المدخلات الزراعية لأسابيع أو لشهور لحين توفير البدائل.
زيادة توافر الأسمدة بأسعار في المتناول هي بالطبع أفضل طريقة لخفض الأسعار، مما يمنح المزارعين في البلدان الأكثر عرضة للخطر فرصة للمقاومة في هذا التوقيت الحرج.
وبدون تيسير تصدير الأسمدة دون معوقات، فلن يمكن زيادة غلة المحاصيل إلى أقصى حد ممكن، وسيكون التأثير على إنتاج الغذاء كبيرًا ما لم تتم إزالة القيود، ولا سيما في البلدان الأكثر اعتمادًا على الواردات.
ويمكن أن يؤدي انخفاض الاستخدام السنوي للأسمدة النيتروجينية في 48 بلدًا من البلدان الأكثر عرضة للخطر إلى خسارة ما يصل إلى 30 مليون طن من المحاصيل الأساسية، وفي الوقت نفسه، يمكن أن يؤدي النقص العالمي إلى خفض الإنتاج العالمي لهذه المحاصيل الأساسية بما يصل إلى 66 مليون طن متري – مما يؤدي إلى عواقب وخيمة على ملايين الأشخاص الذين لا يعرفون بالفعل من أين سيحصلون على وجبتهم التالية جراء أزمة الغذاء العالمية.