بعد مرور 11 عامًا على النزاع، الأسر السورية تكافح للتكيف مع الأوضاع في داخل سوريا وخارجها
على مدار السنوات الإحدى عشرة الماضية، غادر أكثر من 13 مليون سوري البلاد أو نزحوا داخلها. لقد حزموا أمتعتهم وتركوا حياتهم الماضية وراءهم وهم يتساءلون عما إذا كانوا سيرون ديارهم أو أحباءهم مرة أخرى.
لا تزال سوريا إحدى أكبر حالات الطوارئ التي يواجهها برنامج الأغذية العالمي، والأعداد مذهلة. يمثل السوريون ربع عدد اللاجئين في العالم وقد فروا سعيًا للحصول على الأمان في 130 بلدًا.
اختار الكثيرون البقاء بالقرب من بلادهم، على أمل أن يعود الأمان لسوريا يومًا ما حتى يتمكنوا من العودة. وفي نهاية عام 2021، تم تسجيل أكثر من 5.7 مليون لاجئ سوري في تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر.
وتواجه هذه الأسر اللاجئة – وتلك الأسر التي بقيت في سوريا - احتياجات إنسانية غير مسبوقة. كما وجهت الحرب في أوكرانيا ضربة جديدة للأسر التي كانت تكافح بالفعل مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية. فالقمح – الذي يمثل الغذاء الأساسي للأسر في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط - عالق في الموانئ الأوكرانية بينما تواجه الأسر السورية مستويات قياسية من الجوع والفقر وانعدام الأمن الغذائي.
وقال ديفيد بيزلي المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي: "عندما نقول أن الوضع في سوريا ينذر بالخطر فإن هذا لا يعكس الواقع السيء." وأضاف: "يجب على المجتمع الدولي أن يدرك أن عدم اتخاذ إجراء فوري الآن سيؤدي حتمًا إلى مواجهة السوريين لمستقبل كارثي. إنهم يستحقون دعمنا الفوري وغير المشروط."
ومن ناحية السوريين الذين فروا من البلاد، فقد كشفت رحلتهم بحثًا عن الأمان عن مجموعة جديدة من التحديات حيث تكافح الأسر لإعادة بناء حياتها. والآن يُجبر الآباء على تحمل الديون وإخراج أطفالهم من المدرسة وتقليل وجباتهم من أجل البقاء.
وفيما يلي، نستعرض حالة خمس أسر غادرت سوريا تشاركنا تحدياتها وآمالها في المستقبل وذكرياتها في الوطن ...
العراق: منتهى وحسين
يقول حسين: "كنا نعيش في دمشق. وكنا نعمل، وكانت الأمور تسير على ما يرام. لكن اندلعت الحرب، واجتاح الدمار البلاد." ولكونه أبًا لعشرة من الأبناء، فقد اضطر إلى اتخاذ القرار الصعب بمغادرة سوريا للحفاظ على سلامة أسرته.
فرت الأسرة إلى مدينة السليمانية في العراق في عام 2013. ولا تزال تعيش في مخيم للاجئين.
كلا الوالدين غير قادرين على العمل ومع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، تكافح الأسرة للتكيف مع الوضع. ويضيف حسين: "كل شيء باهظ الثمن. لقد ارتفع سعر الزيت النباتي بشكل كبير، وارتفعت جميع العناصر، وأصبحت أسعار السكر والأرز وحتى الخضار أكثر تكلفة. إن الأمر صعب للغاية. فعندما نحتاج إلى أي شيء، نلجأ إلى الديون أو الاقتراض. نحن ندير احتياجاتنا يومًا بيوم، على قدر استطاعتنا."
لبنان: رقية
لكونها أم لأحد عشر طفلاً، تفوت رقية وجبات الطعام بشكل يومي. فبينما يتناول أطفالها الخبز، تشرب هي الشاي. ويعمل اثنان من أبنائها، لكنهما لا يكسبان إلا 7 دولارات أمريكية فقط في الشهر – وهذا المبلغ لا يكفي حتى لشراء زجاجة زيت.
لقد وضعت الأزمة المالية في لبنان ضغوطاً هائلة على كل من المواطنين اللبنانيين واللاجئين السوريين.
وتقول رقية: "يقول ابني البالغ من العمر 6 سنوات إنه يحلم بأن يكون جامعًا للقمامة حتى يتمكن من كسب بعض المال وشراء الدجاج ليتناوله." وتضيف: "مع بلوغ سعر جالون الزيت الآن 350000 ليرة لبنانية (12 دولار أمريكي) لا يمكننا شراء الدجاج أو اللحم أو الجبن – وإنما نشتري الأساسيات فقط مثل زيت الطهي والخبز والحليب."
إن المصدر الرئيسي لدخل الأسرة هو البطاقة الإلكترونية من برنامج الأغذية العالمي. ويمكن للأسر استخدامها لشراء الأغذية من المحلات التجارية المتعاقد عليها محليًا وسحب النقود لتغطية احتياجاتها الأساسية. تقول رقاتي: "إن هذه البطاقة تساعدنا كثيرًا."
مصر: سامر
غادر سامر وزوجته وأطفاله الخمسة دارهم في ريف دمشق قبل خمس سنوات. وهو يبيع الآن الشاي والقهوة لكسب لقمة العيش، ولكن مع ارتفاع تكلفة المعيشة، يجد صعوبة في إعالة أسرته أكثر من أي وقت مضى. وتتلقى الأسرة المساعدات الغذائية كل شهر من برنامج الأغذية العالمي، لكنها بالكاد تكفي لتلبية احتياجاتها، وقد اضطرت الأسرة إلى اللجوء إلى خيارات لا يمكن تصورها.
يقول سامر: "كنت أتمكن بالكاد من تلبية احتياجات أسرتي عندما تلقيت المساعدة لأول مرة. ونحن الآن نكافح حقًا لتغطية نفقاتنا. وكان علي أن أخرج علي - ابني الأكبر - من المدرسة لأنني لا أستطيع دفع الرسوم الدراسية."
الأردن: أمل
بعد 20 يومًا فقط من ولادة أمل لابنتها السادسة في عام 2013، حزمت هي وزوجها أمتعتهما وفرت الأسرة من ديارها. والتمست الأمان في مخيم الزعتري للاجئين في الأردن. ولا تزال الأسرة تعيش هناك إلى اليوم. وللأسف، توفي زوجها. وهي الآن، بصفتها المعيل الوحيد للأسرة، تكافح من أجل رعاية أطفالها.
تقول أمل: "لقد تغيرت تكلفة المعيشة بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية بسبب الجائحة، مع ارتفاع الأسعار بشكل كبير." وتضيف: "عندما تطلب مني إحدى بناتي شراء الضروريات البسيطة لها، فإن هذا يعتصر قلبي لأنني بالكاد أملك ما يكفي لتغطية احتياجاتنا الأساسية."
وتقول: "إن العودة إلى بلدي الحبيب، سوريا، ليس خيارًا في الوقت الحالي. فدون منزل ودون وجود أحد يعول أسرتي هناك، لن نتمكن من البقاء على قيد الحياة. والمخيم هو خيارنا الوحيد. فنحن هنا لدينا الطعام والمأوى والأمان، ولا يمكننا استبدال ذلك بأي شيء آخر."
تعتمد الأسرة على المساعدات النقدية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي كل شهر لشراء الأغذية التي تحتاجها من داخل المخيم.
تركيا: صديقة
صادقة، أم لثلاثة أطفال، جاءت إلى تركيا مع أسرتها فرارًا من مدينة الرقة السورية عام 2013. وعلى الرغم من أن أسرتها لم تكن تريدها أن تعمل، لم تتوقف صادقة أبدًا عن الكفاح من أجل فعل أكثر شيء تحب فعله.
شاركت صادقة في برنامج التمكين الاجتماعي والاقتصادي والاستدامة التابع لبرنامج الأغذية العالمي والذي يقدم فرصًا للتدريب المهني والتطبيقي للاجئين والمواطنين الأتراك. وتقول صادقة: "الشيء الجيد في هذا البرنامج هو أنك تمارس ما تعلمته."
لقد أضافت هذه الفرصة الكثير إلى صديقة على عدة مستويات. فهي تشعر الآن بثقة أكبر في نفسها وتريد أن تبدأ العمل في مصنع السيراميك الذي حضرت فيه التدريب التطبيقي.
إن صادقة، التي ترغب في أن تكون نموذجًا يحتذى به لأطفالها، تعطي مثالًا يوضح كيف يفتح الإصرار أبواباً جديدة. وتقول: "أخبر أخواتي دائمًا أنني وصلت إلى تحقيق أهدافي."