الدروس المستفادة من استجابة البرنامج لفيروس إيبولا من أجل التعامل مع فيروس كورونا (كوفيد-19)
في الوقت الذي يثير فيه فيروس كورونا حالةً من البؤس تسبَّبت في استخدام كلمة ’غير مسبوق‘ استخداماً مفرطاً لم يحدث في وصف أي حالة من حالات تفشي الأوبئة فيما مضى، فكرت أنَّني أودُّ البحث عن بعض الأخبار الجيدة لعلي أعثر على بارقة أمل.
قد يبدو تناول وباء الإيبولا في هذا التوقيت أمراً مستغرباً. ووفقاً لما ورد عن منظمة الصحة العالمية حيث فإنَّه بين عامي 2014 و2016 تُوفي 11310 شخص إثر إصابتهم بالفيروس. ومع ذلك، فإنَّه لولا مخاطرة البرنامج خارج مجالات خبرته التقليدية، لارتفع هذا الرقم إلى أكثر من ذلك بكثير، وذلك هو الخبر الجيد.
’نحن لسنا أطباء، لكن بإمكاننا مساعدة الأطباء في أداء عملهم‘
تقول نتاشا نادازدين، مسئول أول بقسم البرامج لدى برنامج الأغذية العالمي: "شارك البرنامج حقاً في أمور لم أكن أتوقعها، مثل: بناء وحدات طبّية لعلاج مرضى الإيبولا وتجهيزها، إضافةً إلى دعم جميع الأطراف الفاعلة فيما يتعلق بالحفاظ على سلسلة الإمداد، كان الدور الذي اضطلع به بالغ الأهمية."
وفي عام 2015، كانت المهمة المُكلَّفة بها نتاشا هي زيارة غينيا، وليبيريا، وسيراليون – وهي البلدان الثلاثة الأكثر تضرراً من فيروس الإيبولا – لمساعدتهم على تحديد سبل مُضيهم قدماً بمجرد انتهاء حالة الطوارئ الحادة.
وتقول نتاشا: "كنا نرى في بادئ الأمر أنَّ هذه أزمةٌ طبية، وأنَّنا لا يمكننا تجاوز حدودنا، ولا ينبغي لنا فعل ما يجدُر بمنظمة الصحة العالمية فعله، إلا أنَّنا عندما أدركنا الأبعاد المحتملة لتلك الأزمة، اتَّضح حينئذٍ أنَّه يتعين على البرنامج المشاركة بجدّية شديدةٍ نظراً لقدرته اللوجستية على سرعة توفير المشتريات وتنظيم سلسلة الإمداد."
يوافق على ذلك أبو بكر كويشا – وكان يعمل كمسؤول إقليمي لدى برنامج الأغذية العالمي في دكار، وركَّز عمله على المتابعة والتقييم أثناء تفشي الوباء ويقول: "دائماً ما تحتاج إلى أشخاص بإمكانهم تسيير الأمور، وهذا هو ما يحظى فيه البرنامج بميزة نسبية. فلدينا مهارات لوجستية – نحن لسنا أطباء، لكن بإمكاننا مساعدة الأطباء على أداء عملهم بتيسير إيجاد البيئة المناسبة."
"هذه بلدان كانت تعاني من انهيار في أنظمتها، حيث كانت ليبيريا على أعتاب الخروج من حربٍ أهليةٍ دامت ستة عشر عاماً. اضطر السكان إلى النزوح، وقُتل كبار المسؤولين، وتحطَّمت البنيات التحتية، ثمَّ جاءت الإيبولا. حتى الحكومة لم تكن تعرف ما عليها فعله؛ فلم تكن لديهم الموارد المالية أو البشرية أو المادية."
كانت أزمة الإيبولا 2014–2016 هي الأسوأ من نوعها منذ انتشاره في زائير عام 1976 – وسُمي الفيروس بذلك نسبةً إلى نهر إيبولا في زائير. فقد أُبلغ عن أولى حالات الإصابة بالفيروس في غينيا عام 2013، وسرعان ما انتشر في البلدان المجاورة. وفي الثامن من أغسطس/آب من عام 2014، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن حالة من حالات الطوارئ الصحية التي أثارت قلقاً دولياً، مُطلقةً بذلك نواقيس الإنذار في مختلف أنحاء العالم. وحينئذٍ، انهالت الأموال على البلدان التي ظلت لوقت طويل منسية من قبل الجهات المانحة – حيث توفرت الأموال بكثرة، مما يعني أنَّه إضافةً إلى تقديم الأطعمة المُغذِّية وبناء المرافق، تمكّن البرنامج من تركيز جهوده على تغيير حياة السكان على المدى الطويل.
تقول نتاشا: "ركَّزنا بشدةٍ على البرامج التي كانت تدفع بهذه البلدان الثلاثة نحو تعزيز اكتفائها الذاتي، وزيادة استثماراتها في سبل كسب الرزق، وتحقيق فرص تعافيها وتثقيفها، مع التركيز على قضية النوع الاجتماعي— حيث توجد بعض القضايا والتفاوتات الخاصة بالمساواة بين الجنسيين، ولا سيما في ليبيريا."
يقول أبو بكر أَّنه، استرشاداً بالركائز الثلاث، وهي: الرعاية، والحماية، والاحتواء،"وزَّع برنامج الأغذية العالمي مواد غذائية وغير غذائية بغية ألّا يقع الناس تحت وطأة انعدام الأمن الغذائي الشديد". وأضاف: "يصعُب إيصال مواد غذائية إلى الأشخاص وهم في وضعٍ طبيعي، ناهيك عن حالة عزلهم،" – فقد كان يتعين عزل الأشخاص لفترات مدتها 21 يومًا. وأضاف: "لم تكن هناك إمكانية للتنقُّل، أو الذهاب إلى السوق، أو التوجّه إلى القنوات المائية لجلب المياه."
تقول نتاشا: "أثبتت أزمة الإيبولا للجميع أنَّ برنامج الأغذية العالمي يُعدّ شريكاً أساسياً على طاولة الحوار. فقد دار حوارٌ جديد حيث طلبت منظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات الطبية من برنامج الأغذية العالمي أن يشارك في التخطيط المستقبلي لتغطية المستلزمات الطبية الأساسية في إفريقيا."
ويقول أبو بكر أنَّ جمع المعلومات كان عاملاً أساسياً لإيجاد استراتيجية ناجحة؛ حيث وُجِّهت أسئلة من خلال الرسائل النصية إلى متلقي المساعدات، وأُنشئ خط ساخن مجاني ليمكنهم من الاتصال لإبداء تعليقاتهم، مما أتاح لصانعي القرار اتخاذ خطوات مدروسة "مُنسّقة ومتزامنة" على نطاق البلدان المُتضرِّرة. ويضيف أنَّ ثمَّة تحديات واجهتهم، حيث لم يتجاوز عدد الأشخاص الذين كانت لديهم هواتف محمولة نسبة 53 بالمائة من إجمالي الأشخاص، ومعظمهم كانوا يعيشون في مناطق تنعدم - أو تكاد تنعدم- فيها الكهرباء.
ومنذ ذلك الحين، يعمل برنامج الأغذية العالمي على إعادة الاستفادة مما تعلَّمه من دروس، وكان آخر ما قام به العمل مع منظمة الصحة العالمية لإنهاء أزمة الإيبولا التي اندلعت في جمهورية الكونغو الديمقراطية في شهر أغسطس/آب من عام 2018، وذلك بمساعدةٍ من الجهات المانحة، مثل: كندا، وعمليات المساعدات الإنسانية والحماية المدنية الأوروبية، ووكالة التنمية الدولية التابعة للولايات المتحدة. وكان المرض قد أودى بحياة 2264 شخص، إلا أنَّ القضاء عليه قد أصبح الآن على مرمى البصر – إذ لم تظهر أيُّ حالاتٍ جديدةٍ منذ شهر فبراير/شباط.
وتُقيم نتاشا حالياً في روما التي تشهد حجراً صحياً في ظل تفشي وباء كورونا (كوفيد-19)، فإنَّها تتذكَّر زياراتها إلى عيادات البرنامج في غينيا، وليبيريا، وسيراليون منذ خمسة أعوامٍ مضت.
"كان لذلك بالغ الأثر في نفسي؛ لأنَّني أدركت في ذلك الوقت كيف كان بعض زملائنا مُعرَّضين للخطر بعملهم في تلك البلدان الثلاثة. فقد رأيتهم يجازفون بصحتهم، محاولين القيام بمهمة هي في حد ذاتها مهمةٌ شاقة. كان هذا تصرُّفاً شجاعاً منهم، وكانوا حقاً أبطالاً."
وتُشدِّد نتاشا على أنَّنا جميعاً مسئولون عن الالتزام بالإرشادات الصحية في ظل حالة الطوارئ هذه.
تقول: "[في غرب إفريقيا عام 2015] صافح زميلٌ من إحدى الوكالات الأخرى التابعة للأمم المتحدة شخصاً ما. وبعد ساعات، ظهرت أعراضٌ على ذلك الشخص، وتعيَّن نقله على متن رحلة طارئة إلى وطنه ليوضع تحت الحجر الصحي."
"بعض الأمور البسيطة يمكنها بالفعل أن تُحدث تغييراً في أمورٍ أخرى – فزلةٌ بسيطة كادت تودي بحياته وحياة آخرين."
"يحتاج كل فرد منا إلى مراعاة الدقة في الانضباط واحترام القواعد – فتلك هي الوقاية. يتعين على كلِّ فردٍ من الأفراد – بلا استثناء – أن يؤدي الدور المنوط به، وأن يبذل قصارى جهده في ذلك، ومن الأمور التي يجب الاهتمام بها غسل اليدين."
اقرأ المزيد عن استجابة برنامج الأغذية العالمي لوباء كوفيد-19